jeudi 17 février 2022

الأصل السليم لكلمة "پوتي" الفرنسية

 

 

     حظيت منذ أكثر من سنة بالعمل على مسودة لترجمة كتاب بشرى المناعي "مغاربيو مونتريال" والاطلاع في نفس الوقت على النص الأصلي بالفرنسية " Les Maghrébins de Montréal". وقد سمحت لي هذه المناسبة أن أضع تحت مجهر التأثيل العديد والعديد من الكلمات الغربية، الشيء الذي مكنني من الغوص في جزء من الطبقة التحتية (substrat) لهذه اللغات، واكتشاف الكثير من الجذور الجديدة فيها من أصل عربي، ومنها كلمة "petit / پوتي" الفرنسية.

 

لوبوتي مغراب، شارع جان طالون، مونتريال

     سياق الاكتشاف هو تفاعلي مع ترجمة التسمية "le Petit Maghreb" التي تطلق على حي استوطنه المهاجرون المغاربيون في مونتريال، وكانت هذه الترجمة في المسودة غير سليمة إذ تم تعريبها بالكامل فأصبحت "المغرب الصغير"، والحال أن العبارة في اللغة الأصلية اسم طبغرافي موحد (toponyme) لا يقبل التغيير. فكما لا يصح أن نفرنس اسم الجزائر مثلا لنجعل منه "les Îles"، أو اسم السودان ليصبح "Pays des Noirs"، لا يصح أن نقول في هذا السياق تحديدا غير "لوبوتي مغراب". وكانت أولى ردود فعلي أن قلت لنفسي على سبيل المزاح: "لما لا نذهب أبعد ونقول ببساطة "المغرب الفتى؟ "ولا أدري إن كان هذا التساؤل بمثابة النقرة التي أيقظت خلايا المخ النائمة إن صح تعبيري، ولكن ومضة ما حدثت في ثنايا ذهني، وصحت في أعماق نفسي: " petit / پوتي  وليدة العربية.." وبعد التنقيب والفحص وتحليل "الحمض النووي" لهذه الكلمة، تأكدت بما لا يدع مجالا لأي شك أن استنتاجي لا غبار عليه.  

"لوبوتي مغراب" مائة بالمائة عربية؟   


      مما لا ريب فيه أن القارئ، أيا كانت درجته المعرفية، لا يخفى عليه، لُغَةً، المعنى الأصلي لكلمة "المغرب"، الذي تولد كاصطلاح جغرافي، عن أحد نقاط الأفق الاتجاهية الأربعة، نقطة غروب الشمس، بخلاف المشرق والجوف والقبلة. لكن الكثير منا كعرب، وباختلاف مستوياتنا الثقافية، لا يعرف عن "لو پوتي le petit" سوى أنها كلمة فرنسية تعني الصغيرأو الفتى. ويجدر بنا الوقوف قليلا عند توثيق المعاجم الفرنسية لهذه الكلمة وتاريخها لنتأكد، حتى لو بدا ذلك للبعض من القراء غريبا، أنها لا تقل عروبة عن "الفتى"[1]. فالمفردة وثقت نصيا لأول مرة في نهاية القرن العاشر، بمعنى "من لم تكتمل قامته، وبصفة أشمل، شاب"[2]. وينسب "كنز اللغة الفرنسية المرقمن" (TLFi) أصلها للغالية – الرومانيّة (gallo-roman)، دون ذكر جذر محدد سوى القول بأن "النموذج الأصلي يبدو (والفعل هنا غني بالمعاني)  pettīttus"، استنادا لـ"pititus" التي نجدها موثقة في اللاتينية العامية لسنة 775". وكان دييز(Diez) قد حاول تأثيل الكلمة الفرنسية سابقا، حين طرح فرضية انتمائها لجذر "قد يكون موجودا في السلتية"[3]، لكن لا هذا الألسني الألماني ولا أطروحات من جاء قبله أو بعده استطاعت أن تطمس الانطباع السائد في فرنسا ومحيطها ليومنا هذا بأن "أصل الكلمة الحقيقي غير معروف"[4]. ونود بالمناسبة أن نقول للمشرفين على "كنز اللغة الفرنسية المرقمن"، وللكثير من فقهاء اللغات في الغرب: "ارفعوا أيديكم عن متاهات الإيتومولوجيا[5]، وتعلموا لغة الضاد." وفي الواقع، جذر "لو پوتي le petit" لا يحتاج لغوص متاهة كتلك التي اقترنت بتأثيل دييز: الكلمة مجرد فَرْنسَةِ صوتية لأصلها العربي "الفتى"، وهي ومؤنثها "لاپوتيت la petite" (الفتاة)، وأخواتها في اللاتينية وغيرها من اللغات، شكلا ومعنى، خرجت من رحم لغة الضاد.

     يقول اللسان في باب "فتا": "الفتاء: الشَّباب، والفَتى والفَتِيَّةُ: الشابُّ والشابَّةُ، والفعل فَتُوَ يَفْتُو فَتاء".  وتركيبة الحروف الساكنة (consonnes) في "فتى" و"petit" ثنائية متطابقة (P.T = ف. ت.)، والمعنى، لا اختلاف عليه، متطابق. والقارئ المتمكن من قواعد تغريب الأصول اللغوية العربية يعرف أن حرف "الفاء" غالبا ما يتحول إما لـ"p" وإما لــ"b"، كما نراه من خلال هذه الأمثلة: فطر(potiron)، قفص (cabas)، فرند (brand)، فنيد (phénide)، فلط (plaider)، فخ (piège)، فلفل (pilpel)، فسقية (piscine)، فأس (pioche)... وبالتالي "لو بوتي" عربية الأصل، بما فيها أداة تعربفها "le" المشتقة من نظيرتها في لغة الضاد "الــ"[6].

      بقي أن نشير في ختام هذا المقال أن ما تفرع عن كلمة " petit / پوتي " في الفرنسية ليس بالهين استنادا للقائمة الطويلة من مشتقاتها. كما نشير أيضا أنه اشتقت من نفس الكلمة، وفق أكثر من مصدر فرنسي، لفظة أخرى فرنسية سيئة الذكر (putain, pute). وبالتالي، للقارئ أن يقدر كم من رواسب للجذور العربية التي يمكن نفض الغبار عنها وكشفها من خلال إعادة النظر في المعاجم الغربية.


أحمد العامري

17. 02. 2022



[1] ما يرد في هذا النص هو النسخة العربية لمقالي الأصلي بالفرنسية : L’arbi aurait-il fait son petit à la langue de Voltaire 

[2] https://www.cnrtl.fr/etymologie/petit

[3] فريدريك كريستيان جمع 5 كلمات من لغات عدة، واحدة من الاسبانية، pito ، وتعني خشبة صغيرة أو غصن مُدَبَّب، وواحدة من الوَلونية،  petion، وتعني زبانى أو إبرة النحلة، وواحدة من البروفنسالية، pitar ، وتعني نقر، وواحدة من السردينية،piticu  ، وتعني صغير، وأخرى من الوَلونية أيضا،  pitic، وتعني قزم. وبعد أن فحص وقلب هذه الكلمات، هداه وحيه الى استنتاج مفاده أنه يوجد جذر من قبيل "pit"، الأرجح في السلتية، اشتقت منه الكلمات المذكورة وكذلك كلمة "petit".

[4] نورد بعض المصادر بهذا الخصوص: -          Antoine Alexandre Boniface, Manuel des amateurs de la langue française, Paris, 1825, p. 178. -          Auguste Brachet, Dictionnaire étymologique de la langue française, Paris, 1868, p. 407 -          https://www.thefreedictionary.com/petit

 [5] هي أيضا كلمة عربية رغم التعتيم الذي يشوبها من المشرفين على "كنز اللغة الفرنسة المرقمن". الكلمة مركبة من " ἔτυμος, étumos " (الحقيقي) و " λόγος, lógos " (كلام). والجزء الأول مشتق من العربية " التَّامُّ" (بمعنى الكامل، ومنها اشتقت اللغة التركية كلمة "تمام" بمعنى "حقيقي"، التي درجت أيضا في المشرق العربي بنفس المعنى). وكان الفرنسي أنطوان كور أول من كشف هذا الجذر الأصلي للكلمة اليونانية (Antoine Court de Gébelin, Monde primitif, analysé et comparé avec le monde moderne, V. 3, Paris, 1785, p. 19). أما الجزء الثاني فهو مشتق بدوره من "لغو" (من لغا يلغو لغوا). في هذا الصدد، يقول الأستاذ رشيد بن عيسى، وهو ناطق بما لا يقل عن عشر لغات: “نحن نؤصل دائما اصطلاح الكلمات العلمية في اللغة اليونانية، لكن ذلك غير صحيح، فالعرب ترجموا كلمة لوغوس من اليونانية، ولم يعلموا أن هذه لغتهم ردت إليهم: لغى يلغو لغوا ولغة، وتعني النطق." المصدر: محمد عبد النور، تفكيك أسرار اللغة مع رشيد بن عيسى، على الرابط التالي:

https://profnooralgeria.wordpress.com/2020/07/07/

[6] تاريخيا، لم يكن في اللاتينية أداة تميز بين اسم معرف واسم غير معرف. ولم تعرف اللغات الرومانية (أو الرومانسبة) في نشأتها نظيرا لــ" أَلْ" العربية إلا بعد الفتح الإسلامي لإسبانيا. وبالتالي فليس مستبعدا أن تكون الفرنسية قد استعارت من العربية عبر جسري الاسبانية والبرتغالية هذا التحديث.

 

مقالات في نفس الغرض:

Grinta: d'où vient ce mot italien de plus en plus en vogue dans la bouche des Tunisiens ?

Chômer, holocauste, cautère, calme, caustique: le grec n'a été que le passeur de l'étymologie arabe commune de ces mots 

Esclave: c'est à l'arabe es-saqlab que le français doit son mot

Robe: le mot dérive de l'arabe, et non d'un étymon germanique

Opportunité: l'étymologie populaire et la véritable origine du mot

Complot:d'où vient ce mot dont l'origine suscite des interrogations ?

Crime dérive de l'arabe jarimade sens identique

C'est l'arbi qui a fait son petit à la langue de Voltaire

Espion: mot qui dérive de l'arabe ech-cheyifa de sens identique, via l'ancien françaisespie et l'espagnol espia

Marathon, téléthon: la racine que le fenouilhellène ne saurait couvrir

Accise, assise, excision: mots français,racines arabes        

Gêne, gêner: deux dérivés arabes, et nonfranciques

Des secrets philologiques de secret, secrétaireet secrétaire d'Etat

Etymologie: quelle en est l'étymologie ?      

Espèces, chèque, carte, aval, crédit: d'où viennent ces mots ?             

Escroc, c'est le es-sariq arabe romanisé     

Escorte: voyage du mot de l'arabe ausiculo-arabe puis à l'italien, au français et à l'anglais      

Rendre et dérivés ne sont pas de souche latine      

Cabaret: racine arabe et nomenclature orientale       

Quand "scène" et dérivés seront-ils relogés dans leur sakéna arabe ?

D'où viennent l'occitan "caça" et ses dérivés français ?       

Faut-il en schlaguer le dico français ?      

"Refuser": un verbe qui refuse l'incertitude de Littré et l'ingéniosité de Diez       

Le dromadaire: il blatère grec ou arbi ?     

Dégage, dégagisme.. et les mystes de laphilologie        

De deux mots il faut choisir le moindre       

Mythémologie: hanche et racines arabes à lapelle       

Un brin de muguet pour toi

في كلام منسوب للدكتورة نوال السعداوي

 

 

 

 

 

mercredi 16 février 2022

البحيرة، ألفونس دي لامارتين (ترجمة نقولا فياض)

 منذ نشرها سنة 1820 وليومنا هذا، تعتبر قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي ألفونس لامارتين جوهرة الشعر الرومانسي. وقد استوحى الشاعر هذه الرائعة الأدبية من قصته الغرامية مع امرأة متزوجة تسمى جولي شارل، تعرف عليها خلال فترة نقاهة أمضاها في لوبورجي سنة 1816. أما ظروف هذا التعارف والحب الذي تولد عنه، فهي تتلخص في أن جولي شارل كانت مصابة بمرض السل وتعاني من الاكتئاب، وكانت تتنزه على ضفاف بحيرة لوبورجي عندما التقاها لامارتين. وأحبها وبادلته الحب، واختليا ببعضهما في أكثر من مناسبة، وبالخصوص في مغارة أصبحت تسمى فيما بعد بــ"مغارة لامرتين". ولما انتهت فترة النقاهة هذه، تواعدا غلى اللقاء في نفس المكان  في السنة القادمة. لكن الموت لم يمهل جولي إذ اختطفها قبل أن تتمكن من تجديد اللقاء بالشاعر، وهو ما جعل من البحيرة منبع ذكرى وإلهام للشاعر، يأتيها ليقف على الأطلال ويبكي حبه المفقود. وفيما يلي ترجمة نقولا يوسف فياض (1870-1930)، التي لا تقل روعة، في اعتقادي، عن النص الأصلي.

 

 

البحيرة

أهـكـذا أبداً تمضي أمانـيـنـا **  نطوي الحياةَ وليلُ الموت يطوينا

تجري بنا سُفُنُ الأعمارِ ماخرةً ** بحرَ الوجودِ ولا نُلقي مراسينا؟

بحيرةَ الحبِّ حيّاكِ الحيا فَلَكَمْ ** كانت مياهُكِ بالنجوى تُحيّينا

قد كنتُ أرجو ختامَ العامِ يجمعنا ** واليومَ للدهر لا يُرجى تلاقينا

فجئتُ أجلس وحدي حيثما أخذتْ ** عني الحبيبةُ آيَ الحبّ تَلْقينا

هذا أنينُكِ ما بدّلتِ نغمتَهُ ** وطال ما حُمّلتْ فيه أغانينا

وفوق شاطئكِ الأمواجُ ما برحتْ ** تُلاطم الصخرَ حيناً والهوا حينا

وتحت أقدامها يا طالَ ما طرحتْ ** من رغوة الماءِ كفُّ الريحِ تأمينا

هل تذكرين مساءً فوق مائكِ إذ ** يجري ونحن سكوتٌ في تصابينا؟

والبرُّ والبحر والأفلاكُ مصغيةٌ ** مَعْنا فلا شيءَ يُلهيها ويُلهينا

إلا المجاذيفُ بالأمواجِ ضاربةً ** يخالُ إيقاعَها العشّاقُ تلحينا

إذا برنّة أنغامٍ سُحرتُ بها ** فخِلتُ أن الملا الأعلى يُناجينا

والموجُ أصغى لمن أهوى، وقد تركتْ ** بهذه الكلماتِ الموجَ مفتونا


 
البحيرة في نصها الأصلي بالفرنسية

يا دهرُ قفْ، فحرامٌ أن تطيرَ بنا ** من قبل أن نتملّى من أمانينا

ويا زمانَ الصِّبا دعنا على مَهَلٍ ** نلتذُّ بالحبِّ في أحلى ليالينا

أجبْ دعاءَ بني البؤسى بأرضكَ ذي ** وطرْ بهم فهمُ في العيش يشقونا

خُذِ الشقيَّ وخذْ مَعْه تعاستَهُ ** وخلّنا فهناءُ الحبِّ يكفينا

هيهات هيهات أن الدهرَ يسمع لي ** فالوقتُ يفلت والساعاتُ تُفنينا

أقولُ للّيل قفْ، والفجرُ يطردُهُ ** مُمزِّقاً منه سِتراً بات يُخفينا

فلنغنمِ الحبَّ ما دام الزمانُ بنا ** يجري ولا وقفةٌ فيه تُعزّينا

ما دام في البؤس والنُعمى تصرّفُهُ ** إلى الزوال، فيَبْلى وهو يُبلينا

تاللهِ يا ظلمةَ الماضي، ويا عَدَماً ** في ليله الأبديّ الدهرُ يرمينا

ما زال لجُّكِ للأيام مبتلِعاً ** فما الذي أنتِ بالأيام تُجرينا؟

ناشدتُكِ اللهَ قُولي وارحمي وَلَهي ** أتُرجعين لنا أحلامَ ماضينا؟

فيا بحيرةَ أيامِ الصِّبا أبداً ** تبقين بالدهر والأيامُ تُزرينا

تذكارُ عهدِ التصابي فاحفظيه لنا ** ففيكِ عهدُ التصابي بات مدفونا

على مياهكِ في صفوٍ وفي كدرٍ ** فليبقَ ذا الذكرُ تُحييه فيُحيينا

وفي صخوركِ جرداءً معلّقةً ** عليكِ، والشوحِ مُسْوَدِّ الأفانينا

وفي ضفافكِ والأصواتُ راجعةٌ ** منها إليها كترجيع الشجيّينا

وليبقَ في القمر الساري، مُبيِّضةً ** أنوارُه سطحَكِ الزاهي بها حينا

وكلَّما صافحتْكِ الريحُ في سَحَرٍ ** أو حرّكتْ قَصَباتٌ عِطفَها لينا

أو فاح في الروض عطرٌ فليكنْ لكِ ذا ** صوتاً يُردّد عنا ما جرى فينا

أحــبــَّهــا وأحبـّـَــته، وما سلـمــا ** من الــردى، رحــمَ اللهُ المحبّينا

 

نقولا يوسف فياض

 أ.ع. 16. 02. 2022

Quand les médias crachent sur Aaron Bushnell (Par Olivier Mukuna)

Visant à médiatiser son refus d'être « complice d'un génocide » et son soutien à une « Palestine libre », l'immolation d'Aar...