vendredi 9 juillet 2021

بــشــرى المــناعـــي :مغاريبو منتريال

 

تــقـــديـــم

" صَدِّقْني، ليس هناك أصعب من أن تكون طفلاً بلا وطنٍ. وُلِدتُ في مونتريال ولم أعرفْ لطفولتي مدينةً أخرى، لكني دوْما كنت المختلفةَ ذاتِ الاسمِ الغريبِ بين أقْراني، أُحبُّ وطنا بعيدا ادُّعِيَ أنه وطني، لا أعرف تحديدا مكانه على خريطة العالم. مَلأتْ أمي رأسي بحكايات وطنها البعيد. كنت أحفظ شوارع وألعاب طفولتها كأنها أماكني وألعابي الخاصة. أعيش في بيتنا وكأنه يقع في حارة صغيرة من الوطن العربي، لكن في كل صباح أكتشف وطنا آخرَ وهويةً أخرى." (أسامة علام، الحي العربي، دار الشروق، 2019)

 

مغاربيو مونتريال



يسعد أسرة المعهد التونسي للعلاقات الدولية أن تضع بين يَدَيْ القارئ الكريم هذا الإصدار لترجمة مغاربيو مونتريال[1]، وهو مقال إنشائي، أو فصل[2]، وفق الاصطلاح العربي العريق، للكاتبة بشرى المناعي، صدر بالفرنسية سنة 2018 عن منشورات الجامعة الكيبكية بمونتريال. وفي مستهل هذا التقديم، لا يسعنا الا أن نقدم جزيل الشكر لصاحبة الكتاب التي تعكف على دراسة موضوع الهجرة المغاربية في الكيبك منذ سنين طويلة، وتحديدا منذ بداية العقد الثاني للألفية الثالثة، حيث جعلت من هذا الحقل المعرفي ميدان تخصصها، مما أهلها لنيل درجة الدكتوراه في هذا المجال وفتح لها أبواب التدريس والبحث بالجامعة التي كانت تَؤُمُّها كطالبة. والشكر الموجه لشخص بشرى المناعي هو في الواقع تثمين مستحق لبحث ريادي وثري بالمعلومات، يتيح للقارئ أولا معرفة الكثير عن الجاليات المغاربية بالخصوص، والعربية والإسلامية بصفة أَعَمَّ، التي تقيم في الكيبك[3]، وهي جزء من شعوبنا نكاد لا نعرف عنها إلا القليل، مقارنة بما نعرفه عن جالياتنا بالبلدان الأوروبية. ولأن البحث يعطينا أيضا عن الحاضرة المونتريالية صورة وثائقية شاملة، بل وأكثر من ضافية على عدة مستويات، يمكن أن يُعَدَّ هذا الكتاب مرجعا للباحث والطالب على حد السواء، وللقارئ العربي الشاب الذي يرغب في الهجرة لكندا، إما بغرض الدراسة أو بحثا عن العمل. فـ"مغاربيو مونتريال" في مجمله، فضلا عن المادة العلمية التي تهم المثقف والأكاديمي بدرجة أولى، هو بمثابة دليل للمسافر، يستحق أن يجد مكانا له لا فقط على رفوف المكتبات، وإنما أيضا في حقائب الحَجِّ لأمريكا الشمالية.         

عندما التمس مني أخي وصديقي الدكتور أحمد المناعي، بصفته ناشرا، تقديم هذا الكتاب، عرض عَلَيَّ تحبير المادة في "صفحتين أو ثلاثة على الأكثر". لكن فيض المادة والخاطر فرض خيارا لا يقبل التقيد باقتراح الأخ والصديق العزيز. فالعديد من المواضيع التي يثيرها الكتاب المذكور تستدعي قراءةً لِمَا بين السطور وما خلفها، وتفاعلا أكبر مما يمكن اختزاله في بعض الصفحات. ولا يجوز لمن حظي بشرف التقديم، أن يمر مرور الكرام على النقاط التي أثارت اهتمامه، والتي يمكن تبويبها في ست محطات، تكون عناوينها كالآتي: "جمهورية المغرب الكيبكي"، "المغرب الفتى وعمى الالوان"، بصمة الأوائل من قرطاج والجزيرة العربية"، و"المسار الخاص للدكتورة بشرى المناعي".        

جمهورية المغرب الكيبكي

في أمريكا الشمالية، كما هو الحال في شمال افريقيا، هناك للعرب قِبْلَة اسمها المغرب. المغرب الْفَتَى.. أو المغرب الصغير، إن شئتم، أو "لوبوتي مـڤـراب" كما يسميه الكيبكيون بالقاف المثلثة أو، وفق الأصل "العربي"[4]، بالجيم غير المعطشة.

وربما يجدر بنا أن نشير هنا الى أن كاتب هذه السطور، وإن عاش تجربة الهجرة في شبابه كطالب، لم يعبر الأطلسي، ولا يعرف "المغرب الصغير"، ولا مونتريال أو حاضرة أخرى في القارة الأمريكية، الا من خلال الأدب. والحقيقة أن القارئ الذي حظي بالاطلاع على رواية "الحي العربي"، لكاتبها أسامة علام، وهو طبيب مصري مهاجر يعمل بدوره في التدريس والبحث العلمى بجامعة مونتريال، سيجد بلا شك في نص الدكتورة بشرى المناعي الكثير من المادة الخام، كالجغرافيا وأسماء المواقع ومشاكل الهجرة، وملامح الشخصيات، وروائح الشيشة والتوابل الشرقية والمرطبات، وغليان الشارع بفعل مقابلات كرة القدم، التي استوحى منها الدكتور علام فصول روايته وبنيتها السردية[5]. والاختلاف الوحيد بين النصين يكمن، حسب رأينا، في اللغة أولا، لأن علام يكتب بالعربية، وفي المستوى الجمالي للكتابة وتوظيفها، فلكل جنس أدبي غاياته ومناهجه، ولا مجال للمقارنة بينهما على هذا الصعيد، حتى وإن لاحظنا أن البعد الذاتي أو الوجداني بين "الحي العربي" كرواية و"مغاربيو مونتريال" كبحث أكاديمي، يكاد يكون متقاسما بنفس القدر تقريبا.

ولعل في الاقتباس الذي افتتحنا به هذا التقديم إشارة أو تضمين لما يمكن وجوده من تقاطعات مواضيعية بين النصين. فقضية الادماج الاجتماعي والثقافي للمهاجرين العرب التي يتمحور حولها البحث الأكاديمي لبشرى المناعي، وإشكاليات التمزق الهوياتي، والميز، ونزعة التمريق (marquage) الإثني، ضمن غيرها من النقاط، هي "الخميرة"، فيما يبدو، التي قامت بفعلها "جمهورية المغرب الصغير" بالمهجر، كما يرويها لنا أسامة علام. وعندما تتطرق الباحثة التونسية للحديث عن "الوسطاء الحضريين" الذين يعملون على وقاية الحي من تدخلات الشرطة، وهذا "الجهاز الأمني الذاتي" الذي يعمل على تهدئة الأجواء أثناء مباريات كرة القدم، والسلطة الأدبية للـ"إخوة الكبار" وما لها من تأثير في سيكولوجية الجماهير[6] و"الطوافين" الذين يسهرون على تأمين الشوارع بالليل -وكل الفاعلين في هذا الصدد مغاربيون يؤدون الوظيفة التي يُعْهَدُ بها في بلدان أخرى للشرطة الوطنية- ندرك أن هذا الشكل من السلطة التشاركية، أو الاستقلال الذاتي، فيه ما قد يدعم مشروعية النبوة الإسْتيهامِيٌة التي يبشرنا بها خيال الروائي المصري. لكن قيام دولة عربية على أرض "المغرب الفتى" (يتم الإعلان عن ميلادها عقب مباراة في كرة القدم تنتهي بهزيمة الولايات المتحدة أمام الفريق العربي، وحصول هذا الأخير على بطولة العالم)، هذا الاستيهام الذي يمكن أن يضفي على نص علام مسحة من الخيال العلمي، وإن كان مباحا في نص روائي، لا يبدو أنه قريب التحقيق على أرض الواقع بالرجوع لنص بشرى المناعي. وفي كل الأحوال، لا مكان للخيال والإسْتيهامِ في هموم الباحثة التونسية. فحتى وإن تشير الكاتبة، في كثير من المناسبات، الى خوف شِقٍّ من الكيبكيين من "شبح" غير بعيد عن سيناريو الرواية المذكورة، يخيل الينا أن "الخوف الحقيقي والأكثر مشروعية" يسكن بوجه أخص في الحي العربي، وينتاب المغاربيين أكثر من غيرهم، من خلال القلق الدائم حول المصير الجماعي المشترك. ولعل الفصل الذي تسميه بشرى المناعي "كان يا ما كان.. المغرب الصغير"، والشخصيات التي تدلي خلاله بشهاداتها ورواياتها، تبدو أكثر حنينا للماضي وتعلقا بما كان عليه الحال قديما، في حين تتسم تطلعاتها للمستقبل بالكثير من الشوائب والمخاوف، ولا سيما بخصوص المخاطر التي تتهدد الأجيال الجديدة، وتنامي الظاهرة العنصرية لدى شِقٍّ كبير من الكيبكيين.       

المغرب الفتى وعمى الالوان

وضعنا هذا المحور تحت عنوان "المغرب الفتى"، ولا شك أن القارئ سيتساءل بكل أَحَقّيةٍ عن مُبَرّراتِ هذه التسمية. لماذا "المغرب الفتى"، وليس "المغرب الصغير"؟ والجواب ببساطة: لأن "لو بوتي مـڤـراب" (le Petit Maghreb) و"المغرب الفتى" خرجا، لُغوِيّا، من نفس الرَّحِمِ.            

ومما لا ريب فيه أن القارئ، أيا كانت درجته المعرفية، لا يخفى عليه، لُغَةً، المعنى الأصلي لكلمة "المغرب"، الذي تولد كاصطلاح جغرافي، عن أحد نقاط الأفق الاتجاهية الأربعة، نقطة غروب الشمس، بخلاف المشرق والجوف والقبلة. لكن الكثير منا كعرب، وباختلاف مستوياتنا الثقافية، لا يعرف عن "لو بوتي le petit"سوى أنها كلمة فرنسية تعني الصغير. وربما يجدر بنا الوقوف قليلا عند هذه الكلمة لنعرف أصلها اللغوي ونتأكد، حتى لو بدا ذلك للبعض من القراء غريبا، أنها لا تقل عروبة عن "الصغير"[7]. فالمفردة وثقت نصيا لأول مرة في نهاية القرن العاشر، بمعنى "من لم تكتمل قامته، وبصفة أشمل، شاب"[8]. وينسب "كنز اللغة الفرنسية المرقمن" (TLFi) أصلها للغالية – الرومانيّة (gallo-roman)، دون ذكر جذر محدد سوى القول بأن "النموذج الأصلي يبدو " pettīttus"، استنادا لـ"pititus" التي نجدها موثقة في اللاتينية العامية لسنة 775". وكان دييز(Diez) قد حاول تأثيل الكلمة الفرنسية سابقا، حين طرح فرضية انتمائها لجذر "قد يكون موجودا في السلتية"[9]، لكن لا هذا الألسني الألماني ولا أطروحات من جاء قبله أو بعده استطاعت أن تطمس الانطباع السائد في فرنسا ومحيطها ليومنا هذا بأن "أصل الكلمة غير معروف"[10]. ونود أن نقول للمشرفين على "كنز اللغة الفرنسية المرقمن"، وللكثير من فقهاء اللغات في الغرب: "ارفعوا أيديكم عن متاهات الإيتومولوجيا[11]، وتعلموا لغة الضاد." وفي الواقع، جذر "لو بوتي le petit" لا يحتاج لغوص متاهة كتلك التي اقترنت بتأثيل دييز: الكلمة مجرد فَرْنسَةِ صوتية لأصلها العربي "الفتى"، وهي ومؤنثها "لابوتيت la petite" (الفتاة)، وأخواتها في اللاتينية وغيرها من اللغات، خرجت من رحم لغة الضاد[12].  لكن الفرنسية، مثلما سماها فولتير، "ُغُزَّةٌ فخورة"، وهي لا فقط لا تعترف بفضل المحسنين، وإنما لا تعرف كم من الجذور ومشتقاتها تدين بها للعربية. وبشرى المناعي التي تتعرض في نصها لـ"عمى الألوان" الذي تعاني منه فرنسا والذي لا يتركها الا إذا أحل محله "هوس اللون الواحد"، تعرف جيدا أن اللغة ليست مستثناة من هذه العوائق المرضية، والميز المفروض على المهاجرين، سواء كانوا على الضفة الأخرى من المتوسط أو الضفة الأخرى من الأطلسي[13]، تعاني منه أيضا لغتهم وثقافتهم اللتان لا يراد لهما أن تشعا، ولا حتى أن تُذَكِّرا الحاضر بما كان لهما من إشعاع في الماضي، طوال قرون عديدة، كما تشهد به لا فقط العديد من الأقلام الحرة في الغرب[14]، ولكن أيضا الطبقة اللغوية المستورة (substrat)[15] لألسن الكثير من الشعوب والأمم. ولأن هجرة الناس لا تنفصل أبدا عن هجرة الكلمات، ارتأينا أن نولي هذا الجانب المغمور عادة في علوم الانثروبولوجيا ما يستحقه من عناية، حتى تدرك الجاليات العربية في كل القارات عمق الجذور اللغوية للعربية في أرض المهجر.

فلو تصفحنا النص الفرنسي لـ"مغاربيو مونتريال"، على سبيل المثال، لوجدنا الكثير والكثير مما يستحق الذكر على هذا المستوى تحديدا. ونحن نتحدث هنا لا على كلمات تُقِرُّ بعروبتها قواميس رسمية أو نصوص فرنسية، وإنما عن لبنات من الطبقة المستورة، نجدها تارة في أصول لاتينية وتارة في أصول يونانية، البعض منها مكشوف لمن يمارس الحفر والتنقيب في المجال الالسني[16]، والآخر مستتر تحت صدأ القِدَمِ واللَّكَنات التي تعاقبت عليه من لغة لأخرى[17]، وجزء ثالث هو محل سجال لم يحسم بعد[18]. وإذ نقف عند هذا الجانب الذي أثاره اسم "لوبوتي مـڤـراب"، فغايتنا ليست التباهي بما للعربية من فضل على اللغات، وإنما التنبيه الى أن كل استعارة لغوية هي في حد ذاتها شكل من التمريق الهجروي (marquage migratoire)[19]، وبرسوبها في الطبقة المستورة لهذه اللغة أو تلك، تشهد، حيثما نراها، إما على بصمة الأوائل التي طبعت لغات أمم وأراضي وراء البحار، وإما على خطى مهاجرة من هذه الضفة وتلك، عبرت البحر وفي حقائب أصحابها أصول من اللغة العربية.

  بصمة الأوائل: من قرطاج والجزيرة العربية

في حديثها عن تاريخ الهجرة المغاربية للقارة الأمريكية، تقول بشرى المناعي: " يبدو أن اليهود المغاربيين هم أول المنحدرين من شمال إفريقيا ممن اكتشفوا أمريكا" (ص. 33). ومما لا شك فيه أن الصيغة التحفظية للتعبير في هذه الجملة لها أكثر من مبرر، خاصة إذا وسعنا السياق التاريخي ليشمل لا فقط الماضي القريب المرتبط بجلاء الاستعمار الفرنسي عن شمال إفريقيا، ولكن الماضي البعيد للمغرب الكبير، ولِمَ لا أيضا، لشبه الجزيرة العربية. ومع أننا لا ندعي معرفة الكثير عن تاريخ القارة الأمريكية بجزئيها الشمالي والجنوبي، ولا عن الحركات الهجروية الأولى التي استوطنت هذه القارة أو تلك، أو هذا البلد أو ذاك، فإن هناك أكثر من مؤشر يفيد أن مغاربيين آخرين، وأقدم بكثير من اليهود، هم من اكتشفوا أمريكا، وذلك منذ ما يُنيفُ عن الألفي سنة، زد على ذلك ما انبثق منذ سنوات قليلة عن أحدث الاكتشافات في علوم الوراثة القديمة، والذي يؤكد بما لا يدع مجالا لأي شك، أن شعوب الأرض قاطبة وأممها، بمن فيهم سكان أمريكا الأصليين، هم من أحفاد العرب.

فيما يخص النقطة الأولى، يدرك القارئ المُطَّلِعَ أن الكثير من نصوص القدامى[20] رَوَّجَتْ لفكرة مفادها أن القرطاجيين توغلوا في عرض المحيط الأطلسي سنة 356 ق.م.[21]، واكتشفوا، بعد أسابيع طويلة من الإبحار، جزيرة كبيرة أو قارة، أرضها "شاسعة وخصبة"، وفق وصف ديودور الصقلي[22]، الذي يشير أيضا الى أن قادة قرطاج أصدروا أوامر صارمة بالتكتم حول هذا الاكتشاف، وذلك لدواعي أمنية وجيوسياسية[23]. وفرضية أن يكون القرطاجيون قد سبقوا كريستوف كولومب في اكتشاف أمريكا لا تستند فقط للنصوص القديمة المشار إليها، وإنما أيضا لأطروحات أصبحت متداولة منذ ما يقرب من ثلاثة قرون، عقب اكتشافات اثرية متتابعة تعود لإرث الفينيقيين، البعض منها في جزر الأزور بالمحيط الأطلسي، والأخر في عمق الأراضي الأمريكية[24]. ففي سنة 1749، تم العثور على كنز من القطع النقدية القديمة في أرخبيل الأزور، أصلها فنيقي-برقي (نسبة لبرقة الليبية)، تعود للقرن الثالث قبل الميلاد، وأثبتت دراسة هذه القطع أن سبعة منها قرطاجية. وقد أكد عالم الأثار الانجليزي دوناد ب. هاردن (Donald B. Harden) هذا الاكتشاف، في كتاب له بعنوان "الفنيقيون" (Phoenicians) صدر سنة 1948، وكان الكاتب الفرنسي شاتوبريان قد تعرض بالذكر سابقا لهذا الكنز الأثري، في منتصف القرن التاسع عشر، من خلال نصه "Mémoires d’Outre-Tombe, Livre 4, Garnier, 1910, p. 339". وهذا الاكتشاف يفيد أن توغل القرطاجيين في المحيط الأطلسي، سواء انتهى بالمعنيين للإرساء على السواحل الأمريكية أو اقتصر على اكتشاف الجزر الواقعة في عرض المحيط، ليس من قبيل الاستيهام أو البناء الأسطوري، وإنما هو أمر يكاد يكون مُسَلَّمًا به. لكن، فضلا عما يعتمد على نصوص القدامى والشواهد الأثرية، يبدو ان هناك فرضية أخرى جديدة بدأ تداولها منذ 2013، تضاف للأولى، ويدعمها هانز جيفهورن(Hans Giffhorn)، وهو عالم ألماني يهتم بثقافات سكان أمريكا الأصليين منذ 1989، تُرَجِّحُ أن جزءأ من القرطاجيين ومرتزقة لهم من السلتيك، عبروا المحيط الأطلسي سنة 141، على إثر سقوط قرطاج، وبلغوا الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية[25].

 

ولأن الوشم، كما الوَسْمُ بالْكَيِّ، في أصلهما شكلان من التمريق الإثني (ومنه marquage ethnique)[26] الذي يحتل مكانة بارزة في نص بشرى المناعي، ارتأينا أن نصل ببعضهما عادة التوشيم القديمة لدى سكان مكة في الجزيرة العربية ونظيرتها لدى السكان الأصليين في أمريكا، أو الماتيس  (Matis)تحديدا، من خلال اقتباس لنصين قصيرين، ولكنهما غنيان بالمعاني، يعقبه رجوع للنص "مغاربيو مونتريال" وكاتبته بشرى المناعي.    

يقول النص الأول:

"لسكان مكة عادة فريدة تتمثل في وشم الذكور من أبنائهم، وهو ما يحدث أربعين يوما بعد الولادة. ويكون الوشم في شكل ثلاثة ندوب على طول الخد واثنين على الصدغ.  وهذه الواسمات لا تمحي، وهي لا تعتبر فقط علامة زينة راقية، وإنما بمثابة وسام محلي يمنع سكان الأقاليم الاخرى من التباهي في بلد أجنبي بأنهم من مواليد مكة المكرمة."[27]

أما النص الثاني فيقول:

" بصمة[28] الأوائل هو الختم الذي يتلقاه الماتيس  (Matis)كإرث من أسلافهم، أثناء الطقوس التي تشهد مجيء الأقنعة المجسدة لموتاهم لتؤنب ضمائر الأصغر سنا. بالمعنى الحرفي، هو الوسمة التي تبرز على المحيا: الوشم وزخارف الزينة التي تطبع الوجوه. بصمة الأوائل هو هذه السمات التي لا تمحى والفارقة، الضامنة لأبهة مظهرهم. أما بالمعنى الأكثر مجازية، بصمة الأوائل هو أيضا طابع الإثنية، إدامة قيمها وعاداتها وتقاليدها. قصارى القول، هو بصمة الماضي على المجتمع المعاصر. والبصمة في معناها كعلامة مسجلة هي التوقيع الاجتماعي. وأخيرا، بصمة الأجداد (أو مخلبهم) يمكن أن يفهم كإشارة لقدرات الانقضاض التي يتسم بها كبار السنوريات، وكذلك للأظافر الصلبة التي تتميز بها المخلوقات الثديية ذات الأسنان"[29].

ولعل القارئ الكريم، لو عاد للنص الأصلي، ولاحظ أن الكاتب لم يعتمد كلمة الأجداد وانما فقط "الأوائل"، قد يسألنا لماذا استبدلنا في نهاية النص المقتبس "الأوائل" بالأجداد، فنجيبه حينئذ أن "الأجداد" أقرب لوجداننا من "الأوائل"، وقد تعمدنا استعمالها في نهاية السياق لنذكر أيضا بالمناسبة بأن الأجداد هم، في الواقع، من نقلوا كلمة "الأوائل" للغرب! غير أن الغرب لا يعرف، أو هو يعرف ولا يريد الإقرار بذلك، أن "أوائل" و"aïeul"[30]، و"أب" و"abbé"[31] و"بابا وpape" و"عمة" و"tante, tata, amti"[32] و"ابن الأخ والاخت ومؤنثهما" و"neveu, nièce"[33] والخال و"oncle"[34]، والقائمة تطول... هي أيضا من إرث الأجداد وأصول لغتنا.

لكن الغاية من استشهادنا بالنصين المذكورين قد لا تتضح دون الإشارة لنص ثالث، أو مقال صدر بمجلة "لوبوان" الفرنسية بتاريخ 5 فيفري 2012، تحت عنوان: "حضارة: نحن كلنا عرب!"[35] ولا بأس أن نسوق للقارئ الكريم هذا المقتطف:

" كلنا عرب! هذا أحدث اكتشاف مُدَوٍّ لعلماء الوراثة. سواء أحبت مارين لوبان وكلود جيان أم كرها، نحن جميعًا، فرنسيون، أميركيون، أسكيمو، صينيون أو بابوانيون، ننحدر من أسلاف مشتركين سكنوا شبه الجزيرة العربية! […] فقد توصل علماء الوراثة القديمة (paléogénéticiens) في جامعتي ليدز وبورتو إلى استنتاج هذه الفرضية عقب حصولهم على مُسَارَّاتِ أحد المُخْبِرين ! مُخْبِرٌ يختفي بالآلاف في كل خلية من خلايانا: الميتوكوندريا (mitochondrie). وهذه العُضَيْهَة الصغيرة، التي تعمل كجهاز مركزي طاقوي لخلايانا، لها حمضها النووي الخاص. فهي مثل الكروموسومات، يمكن أن تتحور. لذلك، عندما يلاحظ علماء الوراثة نفس الطفرة بالضبط في شعبين مختلفين، يمكنهم استنتاج ما يفيد أن الشعبين يتقاسمان الماضي المشترك. وبمقارنة الحمض النووي للميتوكوندريا المقتطف من مئات الأفراد حول العالم وفي شبه الجزيرة العربية، توصل الباحثون إلى استنتاج مفاده أن جميع البشر، باستثناء الأفارقة، قد أقاموا كلهم بالتأكيد لعدة آلاف من السنين في شبه الجزيرة العربية. ولهذا السبب نحن كلنا عرب وفخورون بذلك."[36]

ونشير الى أن نفس الاكتشاف ينسب السكان الأصليين لأمريكا، أي الهنود، للأصل العربي ذاته، بعد أن انتشر مهاجرون أوائل من شبه الجزيرة العربية، شرقا وغربا، في جنوب القارة الآسيوية وفي أستراليا واليابان. وبرغم أن الدراسة صدرت عن مؤسسة علمية أمريكية، فهي لم تأخذ من الصدى، على الأقل فيما بحثنا عنه من النصوص الفرنسية، ما أثاره في فرنسا، سنة 2017، كتاب جان بريفوست في أصول الفرنسية: "أجدادنا العرب: ما تدين به لهم لغتنا"[37]، من لغط لم ينته حتى الساعة، واستنكار شديد مفاده: "نحن عرب؟ العياذ بالله!"[38] ولعل التعاويذ في هذا السياق، والأَرَجِيَّة تجاه العرب، تُفْهَم، حتى وإلاّ تْغفَرُ، حين تصدر عمن يعتبر نفسه من عرق أرقى وأكثر تحضرا، ولكن ماذا نقول حين تنتقل عدوى هذه الأَرَجِيَّة المقيتة لعرب مغاربيين، وهم ليسوا يالقلائل، وقد تعرضت بشرى المناعي بالتحليل لهذا الجانب، ممن يدعون ان لا صلة لهم بالعروبة؟

نحن نفهم ونتفهم شعور المغترب في أوروبا أو أمريكا، حين يحاصره الإعلام بلا هوادة بالصور النمطية التي تحاك بخصوص العرب. ونقدر صعوبة المرحلة التاريخية التي تمر بها كل الشعوب العربية، وما التصق بصورة العربي عموما من سلبيات تاريخه الراهن. وندرك أن الشاب العربي أو المسلم، حين يكون مستهدفا بمضامين تأصيلية وثقافوية تزج به في قالب واحد مع الإرهابي والداعشي والذّبّاح، قد يرضخ لما يراد له من هذا القمع الإعلامي الممنهج والذي يضع كافة العرب والمسلمين في سلة واحدة، فيحاول تبرئة نفسه من دم العروبة والدماء التي تسفك باسم الإسلام والعرب. ولكن هل لنا حقا حاجة لجلد الذات والهروب منها، مثلما يفعل بعض المغاربيون في الكيبك، ممن تبنوا تسمية أنفسهم بـ"القأبكويين (kabycois)[39] ؟ لنقرأ الكاتب الألماني يورين تودنهوفار(Jürgen Todenhöfer) عسى نفهم إن كان لهذا التنميط الثقافوي مشروعية:

"أعتقد أننا اخترعنا كذبة مريحة لحياتنا. هذه الكذبة هي،" نحن الطيبون. والعالم المثالي هو نحن. ونحن من يمد يد المساعدة ". لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. أعتقد أننا نحن الغربيين، لم نسيطر على العالم بعقليتنا الساحرة أو قيمنا النبيلة أو عظمة ديننا. ولكن لأننا استخدمنا العنف القاسي أكثر من غيرنا، وإذا سمحت لنفسي بأن أكون جادًا، فسأقول: ليس المسلمون هم من ذبحوا أربعة ملايين من البشر خلال الحروب الصليبية. وليس المسلمون من قتلوا 50 مليون شخص خلال الاستعمار. وليس المسلمون أيضا من قتلوا 70 مليونا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. كما أن المسلمين ليسوا من قتلوا 6 ملايين من اليهود. ولكن كل هذه المذابح هي حصيلة اعتداءات غربية"[40].

هذا لا يعني أننا، كمسلمين، لا نحتاج لنقد ما يتم تسويقه حولنا باسم الدين. ولكنه يعني فقط أنه حين نرى نقطة سوداء على صفحة بيضاء، ولا نعير اعتبارا لحجم البياض مقارنة بالسواد، فهذا يسمى أيضا بـ"عمى الألوان"، أو "هوس اللون الواحد". ومهما يكن، لا خيار للمهاجر، في اعتقادنا، غير "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، شرط فهم المقولة في معناها السليم، كما رأينا مثالا على ذلك حين استشهدنا بالإنجاز التاريخي الذي يذكر في الكيبك لمحمد بالعروسي. لأن من يختار وضع "المُهمَّش ـ المَقْصِي ـ المُسْتَوْعَب" (outsider exclu-inclus ) كما يسميه نوربار الياس (Norbert Elias) في هذا السياق، كالهارب من ظِلِّه[41].

المسار الخاص للدكتورة بشرى المناعي

تقول بشرى المناعي في مستهل توطئتها:

 " غالبا ما يتشابك مدار البحث مع مسار الباحث. ومساري لا يحيد عن القاعدة إذ أنه يَسْتَمِدّ أصوله من تساؤلات ذاتية بالدرجة الاولى. فالهاجس الّذي يسكنني منذ بداية صباي هو فهم الهجرة الاضطرارية لعائلتي وهويّتي المزدوجة تجاه فرنسا مكان نشأتي، وتعلّقي بتونس، ثم هجرتي الإراديّة نحو الكيبك." (ص. 15)

ولا نريد إثارة شجون حتى لو شاءت "بصمة الأوائل" ذلك، ولكن تنبيه الكاتبة الذي يستوقفنا في مستهل نصها يحتم علينا أن نشير، ولو بإيجاز، للظروف التي تمت فيهما الهجرتان المذكورتان: الاضطرارية التي كانت بمثابة منفى لعائلة المناعي بأكملها، والإرادية التي ستجعل من الفتاة التونسية غازية للتراب الكندي ولدرجة الدكتوراه ومقعد الأستاذية بجامعية مونتريال، ثم لدور النشر، دون أن ننسى المنابر، أكاديمية كانت أو سياسية، ولا أيضا وسائل الاعلام، تلفزية كانت أو إذاعية. لكن تصوروا أي مسار مُضْنٍ ودرامي لأبعد الحدود اضطرت الفتاة لقطعه قبل أن تصل لشاطئ الأمان. تصوروا فتاة بصحبة أمها وأخوين وأختين لها، ولم يكن عمرها حينذاك غير ثمانية أعوام، تشق الادغال والوديان والجبال، ليلا، وعلى الأقدام، لتخرج من سجن كبير كانت مساحته تقاس بحدود تونس، وتلتحق بمكان غير بعيد عن جبال جرجرة الجزائرية، موطن للا فاطمة الشهيرة، قبل أن يكتب لها ولمن معها التوفيق في عبور المتوسط.

لا نريد إثارة شجون حتى لو شاءت "بصمة الأوائــل" ذلك، ولكن ما لَمَّحتْ اليه بـشرى المناعي وراء السطور بقولـها: " الهاجس الّذي يسكنني منذ بداية صباي هو فهم الهجرة الاضطرارية لعائلتي" يلزمنا بتذكير القارئ الذي يكتشف هذه الكاتبة أن بشرى المناعي عاينت، وعمرها لا يزيد عن السبع سنوات، ما تعرض له والدها الدكتور أحمد المناعي من اضطهاد سياسي وتعذيب، بصفته أول المعارضين لبن علي. وجاء فرارها صحبة أمها وإخوتها في أعقاب لجوء والدها لفرنسا. ولأن يد بن علي أطول من الحدود، لم يكن المعارض، رغم وجوده في باريس والتحاق عائلته به، بمنأى عن كل سوء. فقد تعقبته عصابات بن علي في أكثر من مناسبة، واستهدف للاعتداءات الجسدية ومحاولة القتل. ولئن امَّحَتْ آثار التعذيب التي خرج بها الوالد سابقا من مبنى الداخلية بتونس العاصمة، وتلك التي نتجت لاحقا عن اعتداءات باريس، من جسد المناضل، فالأكيد أنها لم تُمْحَ ولن تُمْحى، لا فقط من ذاكرة المعني بها مباشرة، وإنما أيضا من ذاكرة زوجته وابنائه الخمسة. وحتى نتخلص من هذا "المخلب" المؤلم لنقع مجددا تحت "بصمة الأوائل"، لا يفوتنا أن نشير ولو بكلمة عابرة لجبال جرجرة التي آوت، قبل التحاقها بمنفى والدها، الفتاة الصغيرة بشرى المناعي.

القارئ الذي حظي بالاطلاع على كتاب أحمد المناعي[42]، يدرك بلا شك لماذا، بعد اجتيازهم الحدود التونسية-الجزائرية، لجأت السيدة مليكة، زوجة المناضل، وأبنائهما لجبال جرجرة. كان ذلك استجابة لنداء "مخالب الأوائل"، وهذه المرة لنسور جزائرية، أوحت للعائلة التي عانت من براثن الاضطهاد والحصار أن تلجأ للعش الثاني للأجداد. فمليكة القبايلية هي حفيدة للا فاطمة التي ذكرناها، والتي قادت ثورة الجزائريين ضد الاستعمار سنة 1871. وربما أصبح الآن متاحا للقارئ الكريم أن يعرف سر الشجاعة والاقدام والتحدي الذي مكن مليكة القبايلية من الصمود في السجن الكبير أولا، ثم أمام العقبات والتضاريس الجغرافية التي سبق ذكرها لتوصل أبناءها للتراب الذي شهد ملحمة جدتها الشهيرة. وقد يسأل سائل: كيف تعرف ابن الوردانين التونسي على الجزائرية ابنة جرجرة؟ ولا يسعنا ألا القول هنا إن "بصمة الأوائل" وحدها هي التي تعرف السر الذي جمع بين القلبين.

هل كان لقمم جرجرة وأصداء ملحمة الأجداد دور في تنشئة بشرى المناعي وإخوتها[43] ؟ لا نشك في ذلك، سيما وأن أصغر الإخوة سنا، الطاهر، صنع الفخر لنفسه وعائلته ولتونس قاطبة، بل ولكل العرب، عندما رفع علم تونس في أكثر من مناسبة على أعلى قمم الجبال في العالم[44]. ولا نغالي إذا قلنا إن صورة العلم التونسي وهو يخفق على قمة ايفرست، أثارت فينا من الشجون ما يستدعي ذكر "بصمة الأوائل" مرة أخرى، في تمثل حنبعل وفيلته، وملحمة العبور التاريخي لجبال الآلب، التي تدرس اليوم، بعد أكثر من ألفيتين على إنجازها، في أشهر الكليات الحربية بالعالم. ولا نريد لبشرى المناعي التي تحمل إرث ابن خلدون، رائد علوم الاجتماع والعمران والتَّأْريخ والتاريخ، إلا أن تضيف في مجالها ما يزيدنا فخرا بتَوْنَسَتنا ومَغْرَبَتنا وعروبتنا[45].

ولا يسعنا، في الختام، إلا أن نتقدم بجزيل شكرنا لسليم عليلش الذي اضطلع بهمة الترجمة. ونعتقد أن ما قام به كان على أحسن وجه، ورغم غزارة المصطلحات والمشتقات المستحدثة التي ليس لها تقليد راسخ في النص العربي، فإنه نقل بأمانة الأصل الفرنسي، ولا يمكن ان يلام إن وجد القارئ أن التعريب يلتزم أكثر ما ينبغي بالنص الفرنسي، فالترجمة فنون ومشارب، فيها ما ينقل المعنى دون اعتبار للأسلوب الأصلي، وفيها ما يخالف ذلك تماما، ونعتقد أن سليم عليلش حاول التوفيق بين هذا وذاك، ولم يفشل في اختياره. وإذا لوحظ عيب رغم هذا، فمرده يجب أن ينسب فقط لصاحب هذه السطور الذي أوكلت اليه مراجعة النص، ويعتقد أنه أعطى ما بوسعه لأداء العمل بما يقتضيه من إخلاص وأمانة، دون أن يدعي صفة الكمال أو العصمة من الخطأ أو النضج التام لثمرة هذا العمل.

 

 

 

          

أحمد العامري
قابس، في 8 جانفي 2021

 



[1] Les Maghrébins de Montréal, Presses de l’Université de Montréal, 2018.

[2] الفصل، الذي درجت تسمينه في الغرب بـ"محاولة" أو "تجربة" (Essai) منذ صدور كتاب « Essais » لمنتانيو (Montaigne) سنة 1580، عرفه العرب منذ القديم، وقبلهم المغاربيون خريجي الجامعة القرطاجية، وكان "ترتيليان" (Tertullien) الأمازيغي رائدا في هذا الجنس الادبي، حيث ألف ما يزيد عن 30 فصلا في العديد من المواضيع، لعل أشهرها "رسالة المنديل"  (Du manteau)التي يدعو من خلالها القرطاجيين للاعتزاز بشخصيتهم ويقول لهم في هذا الصدد: " أيها القرطاجيون، لقد كنتم سادة إفْريقية منذ غياهب الدهور، والإمبراطورية التي كنتم ماسكين بزمامها- وقد كان لها ذات الامتداد لهذا الجزء الشاسع والرائع من الأرض- كانت قائمة منذ قرون وقرون، حتى بِالْكادِ نستطيع تَلَمّحَ بداياتها. اعلموا أن لكم اسما وبأسا لهما نفس الباع والرسوخ، حتى أنه لا يكاد يسمع للاسم صدى دون أن يثير لِلتَّوِّ هيبة البأس الذي اقترن به. وعلى الأمم الأخرى أن تُقِرَّ لكم صراحة بهذا الصيت وأن تعترف أقواها واعتاها بأنه إذا حُقَّ لشعب أن يفخر بمجده على قدر رسوخه في منابع التاريخ، فليس ثمة شعب بوسعه أن ينازع جدارة هذا الحق للقرطاجيين. واعلموا أن نصيب الحاضر في اسعادكم ليس أقل من نصيب الماضي في عظمتكم، ولئن بدا لفترة أن قرطاج بعد ما لحقها من دمار وخراب لم تعد غير تجسيد للوحدة البائسة والموحشة، فإن المنتصر الذي حولها لرماد قد أعاد بناءها في حقيقة الأمر، والرومان الذين جعلوا من ديارها قفرا خلاء قد أعادوا إعمارها، ثم هم -فضلا عن ذلك- أبقوا للخلود المخلد على اسم قرطاج. أقول لكم وللعبرة: ليس القرطاجيون هم من أصبحوا رومانا بقدر ما أصبح الرومان قرطاجيين." (الترجمة لنا، عن النص الفرنسي المنشور بــ: Prosper Enfantin, Colonisation de l'Algérie, Paris, 1843, p. 13-14.

[3] لأن "Québec" تطلق على المقاطعة الكيبكية وفي نفس الوقت على عاصمتها، تماما مثلما هو الحال يالنسبة لتونس أو الجزائر أو الكويت، فقد ارتأينا أن نميز بين المقاطعة وعاصمتها باعتماد التعريف بالنسبة للأولى (الكيبك) وعدم التعريف بالنسبة للثانية (كيبك).

[4] كان يفترض أن نقول هنا "السامي"، لكننا نعتبر أن هذا المصطلح الذي ولد تحت قلم أوغيست لودفي شلوتزا (August Ludwig Schlözer) في نهاية القرن الثامن عشر وكرسه الغرب ليومنا هذا، يعتمد عَنْصَرَةَ مجموعة من اللغات نبعت كلها في شبه الجزيرة العربية، وكان الأولى أن يعتمد التصنيف الألسني، مثلما هو الحال بما يسمى "هندو-أوروبي"، على التنسيب الجغرافي وليس العرقي. ونحن إذ نتبنى هنا هذا التنسيب، نشير إلى أن العربية في مفهومنا هي جغرافيا أولا، ولغة أم لكل ما ينسب للسامية، بل ربما لأكثر من ذلك، كما سنتعرض إليه لاحقا.

[5] يقول الكاتب بخصوص ما دفعه لكتابة هذه الرواية: " الحي العربي رواية بدأت مع سؤال ظل يشغلني لسنوات طويلة وهو: «لماذا ينجح العرب أفرادا ويفشلون جماعات»؟ و«ماذا يحدث إذا قررت الدول الغربية نبذهم وعدم السماح لهم بالعيش على أراضيها؟»، من هنا جاءت فكرة «الحي العربي» مستمدا اسمه من حي «المغرب الصغير»، حيث أعيش بمدينة مونتريال الكندية، والتي تعد ثاني أكبر المدن الفرانكفونية بعد باريس، وتتميز بجالية عربية كبيرة. محاولا رصد التغيرات التي تصيب أبناء الجالية العربية من الجيل الأول والثاني بطريقة شيقة وبعيدة عن الفلسفة التي تصيب القارئ بالملل. فقدمت شخصيات من لحم ودم لأفراد ربما أعرفهم بشكل شخصي في إطار من الفانتازيا الواقعية المضحكة والمبكية في نفس الوقت." المصدر:         

https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=23022019&id=9552e445-4df1-420d-9d83-5a9d7580ad5f)

[6] يكفي أن نشير هنا للإنجاز التاريخي الذي يُذْكَرُ للجزائري محمد بالعروسي، وهو طَوَّافُ شوارع بمونتريال، عقب مباراة كرة القدم التي جمعت بين فريقي المغرب والجزائر يوم 4 جوان 2011، والتي انتهت بفوز الفريق المغربي. وقد أسهبت في الحديث عن هذا الانجاز وسائل الاعلام الكيبكية، ومنها جريدة "لابريس" التي تقول: " قامت فرقة مكافحة الشغب بإغلاق شارع جان تالون شرق سان ميشيل بالكامل، واصطفت بين مجموعتين من آلاف الشباب. من ناحية، المغربيون الذين شاهدوا للتو منتخبهم الوطني على شاشة التلفزيون يفوز بمباراة حاسمة في كأس إفريقيا ضد الجزائر، ومن ناحية أخرى، الجزائريون الذين أصيبوا بخيبة أمل وكانوا مستعدين للتناطح. وقد صعد شبان فوق السيارات، وتطايرت المقذوفات، وكان الحي على قيد شعرة من الالتهاب." في هذا السياق والوقت الحرج بالتحديد، يتدخل محمد بالعروسي ليقول بضع كلمات بالعربية عبر مكبر للصوت، مخاطبا الجزائريين والمغربيين على حد السواء: "لقد انتصرت المغرب، ولكننا لن نفسد السهرة لهذا السبب. فكروا قليلا في الصورة التي ستنطبع عنا." قال هذه الكلمات وهو يبتسم، ثم ربط العلمين الجزائري والمغربي ببعضهما، ولوح بهما في الهواء. فإذا بالجموع الغفيرة تصفق، ونار الفتنة تنطفئ بأسرع ما يكون. ويروي أحد رجال الأمن أن جمعا من الشباب اقترب في لحظة ما من شرطي، وفي الوقت الذي كان يُخْشَى أن تحدث مناوشة من الشباب أو ردود فعل عنيفة من الشرطة، رُفِعَ عون الأمن على الأذرع في الهواء، مرارا عديدة، كما لو كان قائد فريق. (المصدر: Katia Gagnon, Médiateur urbain: le fragile équilibre du Petit Maghreb, in www.lapresse.ca, 15. 02. 2013)

[7]انظر: L’arbi aurait-il fait son petit à la langue de Voltaire ?

 [8] https://www.cnrtl.fr/etymologie/petit

[9] فريدريك كريستيان جمع 5 كلمات من لغات عدة، واحدة من الاسبانية، pito ، وتعني خشبة صغيرة أو غصن مُدَبَّب، وواحدة من الوَلونية،  petion، وتعني زبانى أو إبرة النحلة، وواحدة من البروفنسالية،  pitar ، وتعني نقر، وواحدة من السردينية،piticu  ، وتعني صغير، وأخرى من الوَلونية أيضا،  pitic، وتعني قزم. وبعد أن فحص وقلب هذه الكلمات، هداه وحيه الى استنتاج مفاده أنه يوجد جذر من قبيل "pit"، الأرجح في السلتية، اشتقت منه الكلمات المذكورة وكذلك كلمة "petit".

[10] نورد بعض المصادر بهذا الخصوص:

-          Antoine Alexandre Boniface, Manuel des amateurs de la langue française, Paris, 1825, p. 178.

-          Auguste Brachet, Dictionnaire étymologique de la langue française, Paris, 1868, p. 407

-          https://www.thefreedictionary.com/petit

[11] هي أيضا كلمة عربية رغم التعتيم الذي يشوبها من المشرفين على "كنز اللغة الفرنسة المرقمن". الكلمة مركبة من " ἔτυμος, étumos " (الحقيقي) و " λόγος, lógos " (كلام). والجزء الأول مشتق من العربية " التَّامُّ" (بمعنى الكامل، ومنها اشتقت اللغة التركية كلمة "تمام" بمعنى "حقيقي"، التي درجت أيضا في المشرق العربي بنفس المعنى). وكان الفرنسي أنطوان كور أول من كشف هذا الجذر الأصلي للكلمة اليونانية (Antoine Court de Gébelin, Monde primitif, analysé et comparé avec le monde moderne, V. 3, Paris, 1785, p. 19). أما الجزء الثاني فهو مشتق بدوره من "لغو" (من لغا يلغو لغوا). في هذا الصدد، يقول الأستاذ رشيد بن عيسى، وهو ناطق بما لا يقل عن عشر لغات: “نحن نؤصل دائما اصطلاح الكلمات العلمية في اللغة اليونانية، لكن ذلك غير صحيح، فالعرب ترجموا كلمة لوغوس من اليونانية، ولم يعلموا أن هذه لغتهم ردت إليهم: لغى يلغو لغوا ولغة، وتعني النطق." المصدر: محمد عبد النور، تفكيك أسرار اللغة مع رشيد بن عيسى، على الرابط التالي:

https://profnooralgeria.wordpress.com/2020/07/07/

[12] يقول اللسان في باب "فتا": "الفتاء: الشَّباب، والفَتى والفَتِيَّةُ: الشابُّ والشابَّةُ، والفعل فَتُوَ يَفْتُو فَتاء".  تركيبة الحروف الساكنة (consonnes) في "فتى" و"petit" ثنائية متطابقة (P.T = ف. ت.)، والمعنى، لا اختلاف عليه، متطابق. والقارئ المتمكن من قواعد تغريب الأصول اللغوية العربية يعرف أن حرف "الفاء" غالبا ما يتحول إما لـ"p" وإما لــ"b"، كما نراه من خلال هذه الأمثلة: فطر(potiron)، قفص (cabas)، فنيد (phénide)، فراديس (paradis)، برك (parquer)، فلفل (pilpel)(piscine) فسقية ،(pioche) فأس ،  ... وبالتالي "لو بوتي" عربية الأصل ولا غبار عليها.

[13] في النسخة الأولى لكتابه "معجم الكلمات الفرنسية من أصول عربية وفارسية وتركية"، دافع الفرنسي أنطوان بولان بيهان عن الأصل العربي لكلمة أطلس، وهو "طلع يطلع اطلاعا"، بالقول: "خرافة أطلس، ملك موريتانيا، الذي يضع الشعراء اليونانيون واللاتينيون السماء على كتفيه، ما هي إلا إشارة إلى ارتفاع هذه الجبال؛ وحين أعطى الإغريق معنى "الحامل" لكلمة Ἄτλας أطلس، فهم قاموا بتغيير الجذر العربي، وهو أبسط وطبيعي أكثر، لأن "اطلع" (عال جدا)، هو بالتأكيد أفضل من Ἄτλας الذي يعني "من يحمل" (Antoine-Paulin Pihan, Glossaire des mots français tirés de l'arabe, du persan et du turc, Paris, 1847, p. 145). والواقع أن طرح بيهان نجد له ما يدعمه في اللسان، وفي باب "طلع" بالتحديد. "طَلِعَ الجبلَ، بالكسر، وطلَعَه يَطْلَعُه طُلُوعاً: رَقِيَه وعَلاه"، و" وطِلْعُ الأَكَمَةِ: ما إِذا عَلَوْتَه منها رأَيت ما حولها"، "والطِّلْعُ من الأَرَضِينَ: كلُّ مطمئِنٍّ في كلِّ رَبْوٍ إِذا طَلَعْتَ رأَيتَ ما فيه"، "ونخلة مُطَّلِعةٌ: مُشْرِفةٌ على ما حولها". ونشير في نفس السياق الى أن كلمة "Méditerranée" المركبة من جزئين تنحدر من الجذرين العربيين " مُدْيُ “و"أرض". والمدي، في تعريف اللسان، " الماء المجتمع، والحوضُ الذي يُمِدُّ ماؤه بعضُه بعضاً، والجمع أمدِيَة"، ومنه اشتقت "مدية" التي تفيد "نقطة الوسط" و"المركز" أو "كبد الشيء". ومن نفس هذا الجذر، تفرعت في الفرنسية وأخواتها كلمات عديدة مثل "moitié, mi-, midi, méridien, médius, médium, média…". أما العلاقة بين "أرض" والجزء الثاني من "Méditerranée"، فهي تستدعي فحص "terre” (وهو جذر هذا الجزء) بالمقارنة مع مرادفاتها في لغات أخرى: القوطية " airtha" والألمانية " erd" والإنجليزية " eordhe, eart"، والإسكندنافية "Jörd"، والبهلوية " artâ"، والأرمنية "ârt"، كلها شواهد على انتساب هذه الكلمات لجذر مشترك، هو في تقدير كل ذي بصيرة "أرض". لماذا تشذ الفرنسية في رسمها ونطقها عن العربية والمرادفات المذكورة في غيرها من اللغات؟ لأنها نتاج ما يسمى بـ"تبادل صوتي" (métathèse) تم بمقتضاه قلب الحروف رأسا على عقب، ويكفي أن نعيد ترتيبها الأصلي على هذا الشكل "erret" لنجد " أَرْطُ". و"أَرْطُ"، لغياب نظير للضاد في الفرنسية وأغلب اللغات الغربية، تشهد بتطابقها الكلي مع الجذر العربي.  

[14]  الأسماء عديدة، ونخشى إن ذكرنا البعض منها، أن نجحف في حق من نسهو عن ذكره. وربما تكفي هنا الإشارة الى كل من ألفوا معاجم تهتم بالكلمات الغربية ذات الأصول العربية كليوبولدو دجيغيلاس (Leopoldo de Eguilaz) ودوزي (Dozy) وأنطوان بولين بيهان (Antoine-Paulin Pihan) ومارسيل دوفيك (Marcel Devic) وإنريكو ناردوتشي(Enrico Narducci) ولويجي رينالدي (Luigi Rinaldi)...   

[15] لعل الكلمة الفرنسية في حد ذاتها تعبر عن جزء مما هو مستور. فجذرها اللاتيني " sterno" هو تهجية للعربية " سِتْرٌ "، أي أنه مشتق من "ستر يستر سترا". اللاتينية تفيد أولا "غطاء" و"غطاء الفراش" و"التستر أو الاختفاء" و"سرج الخيل" و"بردعة" و"بساط أو حصيرة" و"زربية"، ثم تطور معناها ليصبح طبقة تبليط للأرضية، وليس في كل هذه المعاني ما يتعارض مع المعنى الأول للجذر العربي، إذ نقرأ في اللسان: "السُّتْرَة ما اسْتَتَرْتَ به من شيء كائناً ما كان، وهو أَيضاً السِّتارُ والسِّتارَة، والجمع السَّتائرُ...وهو الترس، وثنايا فَوْقَ أنْصابَ الحَرَمِ". وفي تعريف ستر: "سَتَرَ الشيءَ يَسْتُرُه ويَسْتِرُه سَتْراً وسَتَراً: أَخفاه؛ أَنشد ابن الأَعرابي: ويَسْتُرُونَ الناسَ مِن غيرِ سَتَرْ والستَر، بالفتح: مصدر سَتَرْت الشيء أَسْتُرُه إِذا غَطَّيْته فاسْتَتَر هو وتَسَتَّرَ أَي تَغَطَّى." ومن نفس الجذر العربي اشتقت كلمة "mystère” التي تفيد في معناها الأول "مستور، مخفي". انظر: Antoine Paulin Pihan, Dictionnaire étymologique des mots de la langue française dérivés de l'arabe ..., Paris, 1866, p. 280

[16] مثال على ذلك لو أخذنا الرابطة "ou" أو "donc"، وهي من أساسيات اللغة الفرنسية ولا يخلو منها كتاب أو مقال، ليس من الصعب أن نتبين في الأولى اشتقاقا من " أَوْ"، والنطق كما المعنى بليغان في هذا الصدد، ونتبين في الثانية اشتقاقا من " إِذَنْ" يدعمه، لا فقط التطابق في المعنى، وإنما أيضا الأشكال القديمة لهذه الرابطة " aidunc, adont, adun, adonc... “.  لو أخذنا "comme" ومشتقها "comment"، وهي أيضا من الأساسيات اللغوية، (وقد وردتا فيما يقرب من 270 مناسبة)، فليس من العسير أن نتبين اشتقاقهما من العربية "كما" التي تفيد التشابه. لو أخذنا "combien" (وردت في مناسبة واحدة، وهي مركبة من "com" و"bien")، فجزءها الأول هو تطابق للعربية " كَمْ "، وإن قيل لنا أنها مشتقة من "comme"، مثلما يقول "كنز الفرنسية المرقمن TLFi"، فهي إذن من "كما". والجزء الثاني الذي لا يتعرض لأصله "التلفي" المذكور، هو مشتق من الإيطالية "beni" التي تنحدر بدورها من العربية " بَنَّةٌ "، وكانت تعني في الأصل "الرائحة الطيبة"، قبل أن تضيف لها الدارجة المغاربية معنى "الحلاوة"، ونعتقد أنها دخلت للايطالية عن الطريق الصقلية-العربية. ولو أخذنا الجذر الفرنسي "commun" (وقد وردت العديد من مشتقاته في النص الأصلي لـ"مغاربيو مونتريال"، أذ نحصي ما لا يقل عن 180 سياقا بين:         

    " communauté"،"communautaire"،"communication"،"communiquer" و"commun"

فلا يختلف عاقلان، في رأينا، ان الأصل اللاتيني المزعوم "communis" المكون من البادئة "com” و"munis" (واجب) لا يصمد أمام الجذر العربي" جَمْعٌ " الذي يبدو لنا، منطوقا بالتنوين، أقرب للفرنسية والانجليزية من نظيره اللاتيني. وإن صح ارتباط الفرنسية بالجذر اللاتيني، فهذا الأخير لا يمكن أن يكون مشتقا بدوره إلا من " جَمْعٌ ". وفيما يخص الاختلاف الصوتي بين "الجيم" و"K"، يكفي التذكير بأن هناك أكثر من كلمة عربية دخلت للاتينية و"بناتها" باستبدال من هذا القبيل: جمل أصبحت camel، جريمة أصبحت crime، جرى courir، مسجد mosquée، درونج doronic، أملج emblic ...    

[17] على سبيل المثال، كلمات مثل "esthétique” (تكررت في 4 مناسبات) و"éthique” (مناسبة وحيدة) و"touriste” و"touristification" (6 مناسبات) و"joug” ومشتقها "conjuguer” (3 مناسبات) و"engager" و "engagement" و"otage" (8 مناسبات)، وهي تنحدر تباعا من الجذور العربية التالية: "إحساس " (عن طريق اليونانية αίσθησιs / aisthesis)، و "عادة" (عن طريق اليونانية ἦθος, ễthos) و"دار يدور دورا" (عن طريق الفرنسية "tour") و "زوج" (عن طريق اليونانية ζυγόν, zugón)  و"وديعة" (عن طريق الاسبانية "gwage")، كلمات مثل هذه تستحق كثيرا من النبش والفحص والدوران حول جذورها التي تفرعت هنا وهناك حتى تتجلى عروبتها.

[18] على سبيل المثال، كلمة "signe" التي ورد ذكرها في 11 مناسبة، ومشتقاتها "désigner" (4 مناسبات) و" assignation" (3 مناسبات) و"signalétique" و"design" (كلاهما في مناسبة واحدة) هي من نفس الجذر الذي اشتقت منه العربية "سِجْنٌ". وقد أثبتت نصوص قبطية تعود للقرن الرابع أو الخامس (انظر Anthony Ashley Bevan, Some contributions to arabic lexicography, A Volume of Oriental Studies, in A Volume of Oriental Studies, P.U.V. Cambridge, 1922, p. 71) أن كلمة " سِڤـْنٌ  σίγνον" اليونانية تعني أيضا، بالإضافة لمعنى "علامة"، "سجن". ورغم اعتقادنا ان الجذر يمكن أن يكون مصريا ودخل عن طريق الأقباط للعربية، فليس من السهل أن نثبت أن ذلك تم قبل عبور الكلمة للضفة الشمالية من المتوسط، سيما وأن العربية، لئن وردت في القرآن من خلال 11 أية (9 بين الفعل والاسم في سورة يوسف و2 في شكل "سِجِّين" في سورة المطففين، و1 في شكل "المسجونين" بسورة الشعراء)، ليس لها ذكر في الأدب الجاهلي. والسجن كمؤسسة، لم يكن موجودا قبل مجيء الإسلام. لكن في المقابل، الألسني الوحيد، في اعتقادنا، الذي تعرض بالفحص للعلاقة الثابتة بين العربية واليونانية، وهو الألماني جانيس نيهوف-باناجيوتيديس (انظر: Jannis Niehoff-Panagiotidis, Romania Graeco-Arabica: lat. signum > gr. σίγνον > arab. siǧn, in Romania Arabica, Gunter Narr Verlah Tübingen, 1996, pp. 1-17.) وسعى لإثبات طرحه أن العرب هم من اشتقوا الكلمة عن نظيراتها في اليونانية واللاتينية، إذ دخلت إليهم حسب قوله عن طريق اللاتينية، لا يشرح لنا كيف أصبحت " سِڤـْنوم signum" تعني "سجن" عند العرب، والحال أن هذا المعنى موجود فقط في القبطية.  وبالرجوع لشهاب الدين الخفاجي (1569- 1658) وكتابه "شفاء الغليل في كلام العرب من الدخيل"، نقرأ بالفعل أن الكلمة لم تكن معروفة لدى العرب فبل ورودها في القرآن. يقول الخفاجي: " سجن: معروف ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعثمان رضي الله تعالى عنهم سجن، وكان يحبس في المسجد أو في الدهليز حيث أمكن، فلما كان زمان سيدنا علي رضي الله عنه، أحدث السجن، وكان أول من أحدثه في الاسلام، وسماه نافعا، ولم يكن حصينا فانفلت الناس منه، فبنى آخر وسماه مخيسا بالخاء المعجمة والياء المشددة فتحا وكسرا، وقال فيه: نزلت بعد نافع مخيسا  /  بابا شديدا وأمينا كيسا  / ألا تراني كيسا مكيسا (شفاء الغليل ، ص. 153)

نفس الشيء ينطبق على "bricolage” (التي ورد ذكرها 7 مرات في النص). يقول اللسان في باب "برقل": " بَرْقَلَ: كَذَبَ. والبِرْقيلُ، بالكسر: الجُلاهِقُ يُرْمَى به البُنْدُقُ." (سلاح رمي كالمنجنيق). وماهوا ثابت أن كلمة " briccola" (الجذر الغربي لـ"bricolage") ورد استعمالها لأول مرة في الإيطالية بنفس المعنى العربي، من خلال اللاتينية الوسيطة لجنوة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر (انظر: https://www.cnrtl.fr/etymologie/bricole)، وفي الفرنسية في القرن الرابع عشر، وتحديدا سنة 1360، تحت رسم "brigole"، وبنفس المعاني التي حددها ابن منظور. ما يبدو ثابتا أيضا، وفق اعتقادنا، أن الكلمة ولدت في خضم الحروب الصليبية، ودخلت للعربية والإيطالية في نفس الوقت تقريبا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ابن منظور ولد سنة 1232 وتوفي سنة 1311، ويرجح أنه أنهى تأليف اللسان سنة 1290. واستنادا لشهاب الدين الخفاجي، الكلمة تبدو أنها معربة (شفاء الغليل، ص. 69)، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي معنى تعنيه بالضبط "معربة"؟ فقد دأب اللغويون العرب على اعتماد هذه الكلمة لا فقط فيما يخص الدخيل من لغات أجنبية، ولكن أيضا فيما يهم الدارجة بالأوطان العربية. وإذا علمنا أن، في مصر، الكلمة الرباعية "برقل" هي اسم جبل، يقابلها في اللوبية "برقيل"، فليس مستبعدا أن تكون الكلمة من أصل مصري.

[19]  هذه الكلمة المفتاحية وأخواتها في نص بشرى المناعي هي أيضا وليدة جذر عربي: " مَغَرَ يَمْغُرُ مَغْرًا" بمعنى ذهب في الأرض.

[20] بدءا بـ"غرائب ما سمعنا" (De mirabilibus auscultationibus) الذي ينسب لأرسطو واعتمده ديودور الصقلي (Diodore de Sicile)  كأحد مصادره، في القرن الأول قبل الميلاد، للحديث عن تاريخ الفينيقيين. كما عاد اليه الكثير من كتاب القرن السادس عشر من أمثال كريسانثوس نوتاراس (Chrysanthos Notaras) وفيليب كلوير  (Philip Cluwer)وجيرارد فوسيوس (Gérard Vossius). ونقرأ في نص لهذا الأخير مقتبس عن "عجائب ما سمعنا" ما يلي: " في البحر وخلف أعمدة هرقل، يقال إن القرطاجيين اكتشفوا جزيرة غير آهلة بالسكان، فيها أشجار من جميع الأنواع وأنهار صالحة للملاحة، والجزيرة مثيرة للإعجاب لما تحويه من كل أنواع الفاكهة. وهي تقع على بعد عدة أيام من الملاحة. وغالبًا ما كان القرطاجيون يترددون عليها نظرًا لازدهارها، حتى أن بعضهم استوطن هناك؛ لكن قادة قرطاج أعلنوا أنهم سيعاقبون بالإعدام كل من يبحر على سفينة لهذه الجزيرة، وأنهم سيبيدون جميع من استوطنها حتى لا يذهبوا ويفشوا سرها. فالقادة كانوا يخشون أن يتركز عدد كبير من القرطاجيين في هذه الجزيرة بغاية الاستيلاء عليها، الأمر الذي من شأنه أن يفسد رخاء قرطاج". المصدر:

 Germaine Aujac, Les Anciens connaissaient-ils l’Amérique ? Une question controversée aux XVIe et XVIIe siècles, Anabases [En ligne], 2005, URL : http://journals.openedition.org/anabases/1446 ; DOI : 10.4000/anabases.1446)

[21] Pierre Joseph André Roubaud, Histoire générale de l'Asie, de l'Afrique, de l'Amérique, V. 4, Paris, 1772, p. 6.

[22] François Bouvier, Panthéisme : ou, L'origine de toutes les religions, Mons, 1830, p. 76.

[23] نفس المصدر.

[24]   في نص بعنوان "الدينار الأمريكي" لكاتبه سفاررازا اغسطيني (Sferrazza Agostino)، نقرأ ما يلي: " في القرن الثامن عشر، إرزا ستيلز (Erza Stiles)، رئيس جامعة ييل (Yale)، والمؤرخ جيريمي بيلكناب (Jeremy Belknap) والباحث أنطوان كورت دي جبلين (Antoine Court de Gebelin) أكدوا بأن صخرة دايتون مغطاة بنقوش فينيقية." (ص. 1) والصخرة المذكورة توجد في نهر ببلدة ديتون الأمريكية. ونفس المصدر يؤكد أنه، في القرن التاسع عشر، تم اكتشاف نقوش فينيقية على واجهة الجبل الصخري بيدرا دا جافيا (Pedra da Gavea) الذي يشرف على مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، يقول نصها: "بديزير، فينيقي من صور، الابن البكر لجثبعل" (ص. 2). كما يعدد نفس المصدر أمثلة أخرى تصب في نفس السياق. المصدر:     

 https://www.academia.edu/3049958/Le_denier_dAm%C3%A9rique)

[25] توصل جيفهورن لهذه القناعة بعد أن عاين من خلال فحص ميداني العديد من الأدلة التي تثبت أن جوانب كثيرة لآثار وثقافة التشاتشابويا (بالبيرو)، فضلا عن السمات العرقية، لها جذور في أوروبا. وقد نشر الباحث، سنة 2013، كتابا بعنوان " تشاتشابويا: هل تم اكتشاف أمريكا في العصور القديمة؟ خط من الأدلة" (Hans Giffhorn, Chachapoya: Wurde Amerika in der Antike entdeckt? Eine Beweisführung , In: Amerindian Research. Nr. 31, Februar 2014.)، وأثارت هذه الفرضية وما يدعمها من دلائل اهتمام مايكل جريجور(Michael Gregor)، فأنجز، سنة ،2014 شريطا وثائقيا سماه "جنود قرطاج المنسيين"(Les soldats oubliés de Carthage ، وتجدر الإشارة الى أن كتاب جيفهورن وشريط جريجور يؤكدان ان السواحل التي أرسي بها هؤلاء الجنود كانت آهلة بسكان اصليين، بخلاف رواية ديودور الصقلي التي تقول أن القرطاجيين وجدوا جنة على أرض الجزيرة، ولم يكن بها أثر لوجود بشري.

[26] من "مرّقَ يُمَرِّقُ تَمْرِيقًا"، أي صبغ ثوبا بالمُرّيق، أو حب العصفر. ومن "مارق" ومؤنثها "مارقة" استمدت الفرنسية كلمة "marque" في معناها " مُومِس" التي وثقت نصيا لأول مرة سنة 1457، في قصيدة للشاعر فرانسوا فيلون (François Villon, Ballade III).

[27] Sans auteur, Le Jeune voyageur dans la Syrie, l'Arabie et la Perse, Toulouse, 1854, p. 288.

[28]كلمة "griffe" الفرنسية التي تفيد ثلاثة معاني: المخلب والتوقيع وشخص يولد من زواج العرقين الأبيض والأسود، نترجمها في هذا السياق بـ"بصمة".

[29] Philippe Erikson, La griffe des aïeux : marquage du corps et démarquages ethniques chez les Matis, Peeters Publishers, 1996.

[30] وثقت الكلمة الفرنسية نصيا لأول مرة في 1150" aiuel “، وسواء صحت نسبتها للاتينية الوسطى " aviolus/ aviolum” أم لا، فهي واللاتينية الوسطى وليدتا العربية "أول، أوائل، أولون"، أو "إِيلةُ ". يقول اللسان: "أما إِيلةُ الرجل فهم أَصله الذين يَؤُولُ إِليهم، وكان أَصلُه إِوْلةٌ فقلبت الواو ياء."، " رَدَدْته إِلى إِيلَته أَي إِلى أَصله". وربما يوجد رابط في المعنى والأصل اللغوي بين إيلة وأوائل وآل التي ينتسب بها لليوم أهل الخليج. ويجدر أن نذكر القارئ غير المطلع أن حرف "الواو" ينقلب في أغلب الاحيان الى "v” أو "f"، في اللاتينية وما قاربها من لغات، كما تدل على ذلك كلمات من أصول عربية مثل وزير=vizir"، ولد=valet، ورل= valet، ديوان= divan، واقع (نجم النسر الواقع) =Véga، قهوة= café.

[31] انطر أنطوان بولان بيهان: Antoine Paulin Pihan, Dictionnaire étymologique des mots de la langue française dérivés de l'arabe..., Paris, 1866, p. 5

[32] "tante"التي تطلق على العمة والخالة هي تصحيف للكلمة الأصلية "ante" التي بدورها تصحيف للاتينية "amita"، ولا تحتاج هذه الأخيرة لشرح اوفى حتى نعرف أصلها العربي " عَمَّةٌ ". أما "tata" التي دخلت اللهجة المغاربية لبعض من يحملون بفخر ذيل الفرنكفونية، فهي بدورها تصحيف لــ" tante".

[33]  المذكر والمؤنث ينحدران من الجذر "نابتة" و"نوابت" التي يعرفها اللسان بما يلي: " نَبَتَتْ لهم نابتة أَي نَشأَ فيهم صغارٌ لَحِقوا الكِبار، وصاروا زيادة في العدد" و" ونَبَتَتْ لهم نابتةٌ إِذا نَشأَ لهم نَشءٌ صغارٌ." ودخلت الكلمة لليونانية " νέποδες نيبودوس" بمعنى النسل، ثم تفرعت في اللاتينية "نيبوس nepos" والألمانية "نافو Neffe”، والكتالونية "نابوت nebot "، والإيطالية "نيبوتي nipote"...

[34] الفرنسية "oncle" في أول توثيق نصي لها يعود لسنة 1100 (وهو تاريخ شهد دخول العديد من الأصول العربية للفرنسية، عن طريق "أغنية رولان") كانت "تعني "الخال"، وسواء جاءت مباشرة من العربية "الخال" ("الـ" تم إدغامها في "on"، و"خال" أصبحت "cle") أو جاءت عن طريق اللاتينية " avunculus “بنفس المعنى، فلا تحتاج أيضا لشرح ضاف، الا فيما يخص الكذبة التي تدعي أن معنى "culus" هو تصغير لــ"avun” (إيلة، اول، اوائل).

[35] Frédéric Lewino, Civilisation : nous sommes tous des Arabes ! in Le Point, 05. 12. 2012. https://www.lepoint.fr/sciences-nature/histoire-de-l-homme-nous-sommes-tous-des-arabes-27-01-2012-1424481_1924.php#

[36] الترجمة لنا عن نفس المصدر.

[37] Jean Prévost, Nos ancêtres les Arabes : Ce que notre langue leur doit, JC Lattès, 2017.

[38] نذكر هنا بالخصوص ردة فعل أحد النشطاء الفرنسيين على موقع " ripostelaique.com"، وهو يكتب تحت قناع اسم مسـتعار: " الأستاذ فرانكلين"، ونقتبس مما كتب هذه السطور:" دعونا أولاً نضرب عرض الحائط بالتأكيد "الجريء" لهذا العنوان، والذي قد يجعلنا نعتقد أن أسلاف الفرنسيين كانوا رعاة إبل من شبه الجزيرة العربية، وليسوا محاربين سلتيك من بلاد الغال. كل الأطفال الفرنسيين يعرفون أن الغال هم أسلافنا، وأن العرب الذين يعيشون في فرنسا هم مهاجرون حديثًا. وإذا سمحنا لأنفسنا بمزحة، على عكس الجدية الأكاديمية التي اعتدنا عليها خلال مسيرتنا الطويلة، فإننا نشير إلى أن هناك احتمالًا أكبر بأن يكون سكان المريخ هم أسلافنا! هل يعتقد السيد بريفوست أنه سيجذب الكثير من المشترين بهذا العنوان؟ لكن من، باستثناء البرجوازيين-المتسكعين (bobos) لليسار الذين يعيشون في مراكز المدن الكبرى، سيشتري مثل هذا الكتاب للدعاية الرخيصة؟ لقد لاحظ آخرون غيرنا أن اللغة العربية هي لغة الدول الأكثر تخلفًا في العالم، وأن اللغة العربية، وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، "تشكل عقبة أمام التقدم. وعقبة أمام الحداثة " لكن يجب أن نذكر أيضًا أن اللغة العربية هي لغة القرآن، وبالتالي فهي لغة الأسلمة منذ 14 قرناً، وأن المسلمين أبادوا على صوت هذه اللغة، أكثر من 270 مليون غير مسلم منذ أن اخترع محمد الإسلام في القرن السابع..." (المصدر: أكاذيب جان بروفوست الذي يدعي أن اللغة الفرنسية هي عربية Les mensonges de Jean Pruvost, qui prétend que la langue française est arabe ! ripostelaique.com, 21. 12. 2017)

[39] رغم كونه يتفق مع ابن حزم في الطرح الذي لا يقبل بنسب البربر للعرب ويعتبره من أكاذيب مؤرخي اليمن، يؤكد ابن خلدون ان "الحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم [البربر] أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح". لكن لسائل أن يسأل من هم الكنعانيون؟ والجواب ببساطة: هم إحدى الموجات العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية الى ارض الشام منذ ما يقرب من خمسة آلاف عام. وبالتالي لا غبار على عروبة البربر. لكن كما يقول ابن خلدون: "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته و سائر أحواله و عوائده". وغاية ما يتمناه شق كبير من الغرب الذي ينزع لتبني ثقافة الاستعلاء العرقي والحضاري أن يجاريه المغاربيون في الطرح الذي يروج له منذ عقود بأن سكان إفريقيا الشمالية ليسوا عربا، وأن ما يسمى بالأمازيغية لا تمت بصلة للعربية، وأن البرابرة أصلهم أوروبي من نسل الغال والوندال، وغير ذلك من الّتُّرَّهات. نود أن نشير هنا لثلاثة مراجع أساسية لا غنى عنهم لمن يود أن يعرف الحقيقة، ويميز بين الثرى والثريا في هذا المضمار:

- عثمان سعدي، البربر الأمازيغ عرب عاربة، دار الملتقى للطباعة والنشر، 2016 

-محمد حسين فرح، عروبة البربر وقائع ودلائل انتقال البربر من اليمن إلى بلاد المغرب العربي، والجذور العربية اليمنية لقبائل البربر، وزارة الثقافة والسياحة، 2004.

- حلقة خاصة مع المفكر الجزائري رشيد بن عيسى، بتاريخ 9 سبتمبر 2018، على اليوتيب:     

https://www.youtube.com/watch?v=JcxshsXnLl8

[40] Warum tötest du, Zaid?, C. Bertelsmann Verlag, 2011.

[41] عن "المهمش -المقصي-المستوعب"، يقول الياس: أن تنتمي لأقلية تكون موضع وصم، وتنخرط في نفس الوقت في التيار الثقافي والمصير الاجتماعي والسياسي للأغلبية التي يصدر عنها الوصم، تلك لعمري تجربة غير عادية."  المصدر: عن اقتباس ورد تحت قلم: Daniel Azuélos, L'entrée en bourgeoisie des Juifs allemands ou le paradigme libéral 1800-1933, Presses Paris Sorbonne, p. 234.

[42] Supplice tunisien : Le jardin secret du général Ben Ali, Ed° La Découverte, 1980.

[43] " أحمد الله أن عرفت في حياتي، منذ 52 سنة، مليكة القبايلية. فهي التي أنجبت لي باديس وبلال وأميرة وبشرى والطاهر، وهي التي تولت تربيتهم، وهي التي جعلتهم على ما هم عليه الآن." هذا ما أسر به لي صديقي وأخي احمد المناعي في إحدى المراسلات. وأعتقد أنه بصدد إنجاز قصة في هذا الموضوع، ستكشف لنا كيف أصبحت الفتاة التي التقاها ذات يوم من شهر اكتوبر 1968 في مترو باريس، شريكة حياته.    

[44] طاهر شهد، وكان عمره لا يتجاوز الثلاث سنوات، اقتحام الشرطة لبيت العائلة في الوردانين يوم 24 افريل 1991 وإيقاف والده الذي اقتيد لقاعات التعذيب بوزارة الداخلية. وكان أخشى ما يخشاه الوالد أن تترك الصدمة ندوبا عميقة، خاصة في قلوب أبنائه الصغار. لكن طاهر الذي عايش هذه اللحظة الصعبة كذب مخاوف والده حين أسعد عائلته وتونس قاطبة بإنجازاته الرياضية في مجال تسلق الجبال، إذ كان أول عربي يرفع علم بلاده في مناسبة أولى على أعلى قمة في أمريكا (17 ديسمبر 2015)، وأول عربي وإفريقي يرفع نفس العلم، بعد ذلك بعام فقط، فوق أعلى قمة بالعالم: قمة ايفرست (13 ماي 2016).

[45] وكأن الأخبار الواردة للتو من وراء الأطلسي تصب في هذا المجرى. فقد علمنا، ونحن ننهي هذا التقديم، أن رئيسة بلدية مونتريال، فالیري بلانت (Valérie Plante قد اختارت بشرى المناعي لتكون أول مفوضة في الكیبك، تهتم بمحاربة العنصرية والميز المنهجي، وبمقتضى هذا التعيين، يصبح للعرب والمهاجرين عموما، صوت نافذ في السياسات التي ينبغي تبنيها في مونتريال، والإجراءات التي يجب اتخاذها، بغاية التصدي للميز والعنصرية اللذين يستهدفان العرب والمسلمين، ضمن أقليات أخرى مهاجرة.  فهنيئا لبشرى المناعي بهذا التشريف والتكليف، ومزيدا من النجاح لها ولكل من سيعمل معها على هذه الجبهة النضالية التي تستحق الذكر والتنويه.

           

            

 



Quand les médias crachent sur Aaron Bushnell (Par Olivier Mukuna)

Visant à médiatiser son refus d'être « complice d'un génocide » et son soutien à une « Palestine libre », l'immolation d'Aar...