المعايير المزدوجة التي تسود بصفة ممنهجة في الغرب، والهندسة المتغيرة المعتمدة باستمرار للتعامل مع قضايا الساعة الملتهبة، والمفارقات التي تميز خطاب السياسة المهيمن اليوم، والنفاق، والأكاذيب وغسيل الأدمغة التي تنظمها وسائل الإعلام السائدة وينقلها المعسكر المناهض لروسيا على الشبكات الاجتماعية، كل هذا معًا يود إقناعنا بأن روسيا التي أنقذت أوروبا بالأمس من النازية هي اليوم نازية. وأن بوتين، ابن زوج من الناجين من عملية بربروسا التي شنها الرايخ الثالث ضد الاتحاد السوفياتي عام 1941، هو في الوقت الحاضر هتلر جديد يهدد بشكل خطير القارة العجوز.
لنقل إذن، وفق هذه المفارقة التي تستبلهنا في الشرق كما في الغرب، أن بوتين، هذا الهتلر الجديد، هو في ذات المعسكر الذي يعيد تأهيل "سرب الحماية" [SS] الألماني سيء الذكر وشقيقه الإيطالي "القمصان السوداء"، وكلاهما تم إنعاشهما منذ ما يقرب من العشر سنوات من خلال هذه الأفواج النازية التي تم دمجها في الجيش الأوكراني، والتي لا تتحرج من رفع الشعارات المنبوذة في جزء كبير من العالم، كالصليب المعقوف وحرف الـــ SS المكرر، وكلاهما تعدان من المحرمات التي لا يسلم رافعها في الغرب لا من الملاحقة القضائية ولا من التشهير ولا من النبذ. لا حرج عليك ياغرب المفارقات أن تمنع معاداة السامية ورموزها بين حدودك، وتباركها في أوكرانيا كما يشهد وقوفك وراء القوميين المتطرفين في كييف، ورثة ستيفان بانديرا [Stephan Bandera] ومنظمته الشهيرة "أون -بي" [OUN-B] وفروعها العديدة كـــkrainische Hilfspolizei ، و Sonderdienst ، و Kripo ، و Einsatzkommandoالتي كانت كلها أذرعا أوكرانية للبوليس السري الألماني " غيستابو" [Gestapo]، وساهمت في قتل ما يقارب من ربع مليون يهودي بأوكرانيا في أربعينيات القرن الماضي. وإذ استولى هؤلاء الورثة على الحكم في أوكرانيا منذ 2014 بفضل الدعم المادي واللوجيستي والمعنوي للمحافظين الجدد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فهذا لا يصدم في شيء لا أولئك الذين يفخرون بأفكارهم التقدمية ولا أولئك المنحدرين من الدم الذي أحل هتلر إراقته. بدليل أن لا الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند ولا الصهيوني الفرنسي برنارد هنري ليفي تحرجا من تخليد نفسيهما في صور تذكارية تجمعهما مع الفاشيين الذين أصبحوا ، بين عشية وضحاها ، أيقونات الميدان في كييف وفي وسائل الإعلام الرئيسية بالغرب. كما لم تتحرج مؤخرا هذه البذور الصاعدة لطاعون النازية، برغم المثل العليا للجنس الآري التي تغلي في دمائها وتنضح به خطاباتها، من طلب المساعدة العسكرية من إسرائيل، ووفق نفس المفارقات العجيبة، حتى إسرائيل التي جعلت من "معاداة السامية" سلاحا تكاد قوة فتكه تتفوق على النووي، ولجمت به الأفواه في شتى انحاء الكون وأشلت به الوعي الغربي الذي سجنته في عقدة تأنيب الضمير، حتى إسرائيل هذه لم تتحرج بدورها من الوقوف وراء هذه البذور ضد الغزو الروسي! ولا ترى بأسا أن تنصر الخلف الصالح لسلف ضالع حتى النخاع في مجازر ومحارق الهولوكوست، سلف ما تنفك تلاحقه في كل ساعة وكل أرض باللعنات.
لنقل إذن، وفق هذه المفارقة التي تستبلهنا في الشرق كما في الغرب، أن بوتين، هذا الهتلر الجديد، لا يختلف في شيء عن بيلتسكي [Biletsky](عضو البرلمان الأوكراني حتى عام 2019) الذي طالما ردد أن "الهدف القومي لأوكرانيا هو قيادة الأجناس البيضاء في حرب صليبية ضد الأجناس الدنية التي يقودها الساميون". بوتين من نفس الفصيلة لأولئك الذين كرموا "كتاب فلاس" [Livre de Vles]، المخطوطة المزيفة التي أصبحت في أوكرانيا بمثابة "كفاحي" لكاتبه هتلر، ومرجعا أساسيا للتربية الوطنية في هذا البلد منذ تسعينات القرن الماضي، لأن المخطوطة تنسب شعوب السلاف للعرق الآري، مع ما يتضمن هذا النسب من العداء للسامية، الكفر الموصوم الذي لا يعادله كفر في الغرب.
لنقل إذن، وفق هذه المفارقة التي تستبلهنا في الشرق كما في الغرب، أن بوتين، هذا الهتلر الجديد، هو من نفس الفصيلة التي ينتمي اليها الفوج الأمني لـ"آزوف" [Azov]، النسخة النازية من كو كلوكس كلان وداعش، التي حظرها فيسبوك من منصته في عام 2019، لأنه اعتبرها "نازيًة جديدًة"، ولكن أعاد فتح منصته لها منذ 24 فيفري (فبراير)، لأنه بسبب معاداته لروسيا والقتال ضد هتلر العصر الجديد، أصبح اليوم مباحا لآزوف وللأزوفيين أن يمحى عنهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر ليوم الدين.
بوتين هتلر جديد؟
أحمد العامري
2022. 03. 04