jeudi 21 juillet 2016

عواصف في تركيا وزَلاّت لدى إسلاميينا في تونس بقلم عبد العزيز قاسم



انتهيت للتو من كتابة مقالة خصصت فيها فصلا للسيد أردوغان سميته "سارق حلب". وغني عن القول أن الأحداث الخطيرة في تركيا تساءلني وتجبرني على مراجعة هذا الجزء من مخطوطي.
 ما يدفعني لكتابة هذه السطور، هو رد فعل غير عقلاني من السيد نور الدين البحيري، وهو يعمل بمهنة المحاماة، الزعيم النهضاوي البارز وقبل كل شيء، وزير العدل السابق. لو شاء أن يتنفس الصعداء إثر فشل الإنتفاضة العسكرية التي لم تكلل بالتوفيق فلا أحد كان يجد مبررا للومه، فتونس في مخيلة النهضة هي مقاطعة من الباب العالي. ولكن السيد البحيري يذهب أبعد من ذلك، بعيدا جدا في ولائه. فعلى صفحته في الفيسبوك وفي تصريح نشر بصحيفة الشروق عبر عن سعادته لرؤية المجندين الشبان، وهم الذين لم يقترفوا ذنبا غير طاعة رؤسائهم، يجردون من سلاحهم ومن ثيابهم ويضربون حتى الموت، بالنسبة للكثير منهم على أيدي سوقة مكلوبة. لو اقتصر الإبتهاج والإحتفاء أمام مشاهد السحل المروعة على اسلاميين تونسيين من أنصار النهضة لهان الأمر، إذ هو في غريزة الأتباع. لكن أن يتلذذ بهذه الشماتة محام كالسيد البحيري فهو شيء تقشعر له الأبدان ويضفي مصداقية على الشكوك التي تحوم حول بعض الإغتيالات.

لا يكتفي وزير العدل السابق، المحامي ورجل القانون والمؤتمن على القانون، بتمجيد غير مقبول لهذه الأفعال بل يعلن أن كل التونسيين الذين لم يدينوا التمرد العسكري التركي هم « ارهابيون » وهي نفس الألفاظ التي استعملها رئيسه [العثماني] ضد المتمردين. في العالم المتحضر، في قوانين الدول، هؤلاء يسمون
في المصطلح الألسني والقانوني «القائمين بالعصيان» . لكن نحن هنا في إحدى جمهوريات الموز.

ندرك جيدا أن ما يضحك لا يقتل، غير أن السيد البحيري يذهب أبعد مما يضحك، إذ يتهم التونسيين المعادين لأردوغان بالتعاطف مع داعش. هل ثمة ما يضحك أكثر من هذا ؟ من الذي صنع وصان هذه الجحافل من المتوحشين، هؤلاء المجرمين من دواعش ونصرة ومشتقاتهما ؟  من الذي أطلقها على سوريا وهي أحد البلدان العربية الأكثر تجذرا في التاريخ والحضارة ؟ أليس هو الصهيوني أردوغان ؟ من الذي جند وأرسل إلى العراق وسوريا الآلاف من سفلة شبابنا ليتلقوا هناك تربصا في الذبح وأكل اللحوم البشرية ؟ 
أنا لا أنوي الخوض في حرب كلامية مع بني وطني من الإسلاميين، فهم عاشوا لحظات ساخنة وأتفهمهم. لكني أناشد فقط العقلاء منهم، والنهضة لا تخلو من عقلاء، عساهم يعضوا وزير العدل السابق الذي لم يفلح في الإبقاء على رشده، ولولا مؤهلاته في مجال الحقوق لما كلفت نفسي عناء الرد عليه. ولكني أقر أيضا، كلفني ذلك ما كلفني، أني أنتمي لشق التونسيين الذين يستهدفهم بنيران اتهاماته لأني أعادي قطعا دكتاتور أنقرة.
أنا عموما ضد كل الإنقلابات سيما وأن العالم العربي عانى كثيرا منها. لكن لكل قاعدة استثناء، وأشير هنا على وجه الخصوص للثورة الناصرية. يجب علينا بالطبع احترام ودعم الحكومات المنتخبة ديمقراطيا، لكن هل تنتمي السلطة التركية حقا للديمقراطيات
؟ أبعد مراقب سياسي يدرك أن السلطان زور بشكل فاضح الإنتخابات الأخيرة. ما الذي يمكن عمله عندما يستولي حزب شمولي على بلد بالإعتماد على ميليشيات مستعدة لكل شيء واتخذت من المساجد رباطات لها مع أن الرباطات عفا عليها الزمن ؟ ألا نتذكر أردوغان سنة 1998 حين كان رئيسا لبلدية اسطنبول ويصدح في خطاب حماسي بهذه الأبيات الشعرية وهي أفصح ما تكون: « المآذن ستكون حرابنا / القباب خوذاتنا / المساجد ستكون ثكناتنا / والمؤمنون جنودنا» ؟
في مصر، عبدالفتاح السيسي عرف كيف يقف بجانب الملايين من المتظاهرين حين قرفوا من الحكم الإخواني الذي فقد كل شرعية باقترافه المتكرر لشتى التجاوزات. ولأن الإنتخاب ليس صكا على بياض كيف يتسنى للناخب أن يتخلص من حاكمه بالوسائل المشروعة في حين أن هذا الحاكم قد استولى على كل المؤسسات أو دجنها
؟ وهو الحال في تركيا. 
من حاولوا الإتقلاب في تركيا فشلوا في ذلك وليس بوسعي أن أجد تفسيرا لفشلهم. البعض يرى أنهم أساؤوا اختيار التوقيت، فاجتياح مدينة يتم في الفجر بعيدا عن الاختناقات المرورية. هل عول قادة التمرد على انضواءات فشلت في نهاية المطاف ؟ لكن إخراج جنود من الثكنات وإصدأر تعليمات إليهم بعدم إطلاق النار على أوغاد تكشف عن أنيابها، ألا يعد هذا حكما مسبقا على هؤلاء الجنود بأن يكونوا حصة خسيسة لكلاب الصيد مثلما تم بالفعل ؟ إلا إذا كان أردوغان، مثلما جاء على لسان معارضه وهو أيضا إسلامي، وراء هذه المكيدة .. فغولين اللاجىء بتسلفانيا يعرف عما وعمن يتحدث ،إذ كان هو نفسه مرشد أردوغان وكان له بمثابة بيجماليون . واليوم هو متهم من قبل تلميذه السابق بالتحريض على الأحداث وهذا التلميذ يطلب بالصوت العالي أن يُسَلّمَ غولين له، ولو وصلت هيلاري للرئاسة غير مستبعد أن تلقي به الولايات المتحدة  للوحش الجريح. هذا مخيف !
ومهما يكن، بوسع أردوغان أن يتذوق حلاوة نصره: عشرة آلاف من العسكر هم رهن الإعتقال وينوي من أجلهم إعادة عقوبة الإعدام، ثلاثة آلاف من كبار القضاة تم عزلهم وجلهم أُودِعَ السجن، أكثر من ثمانية آلاف شرطي ومثلهم من كتبة دولة أطردوا وحملات ملاحقة الساحرات متواصلة. والقائمات الطويلة جدا من الناس الذين تم إيقافهم أو طردهم لا يمكن أن تكون غير جاهزة مسبقا. كل الأنظمة الإسلامية دون استثناء حين تصل للسلطة لا هم لها غير التمكين. والغاية تبرر الوسيلة بما في ذلك مهازل الإنتخابات.
تلك إذن  « الديمقراطية » الراسخة جدا حيث تتمركز كل السلط في يد رئيس الجهاز التنفيذي. وغاية التطهير الواسع لأجهزة الدولة هو حصرالتوضيف الفعلي في دائرة المتعصبين للنظام ومخبريه. ويظهر شريط فيديو استجواب المتهمين وضباطا سامين في الأغلال وقد انتفخت وجوههم وهم قبالة جلادين-محققين من صنف محاكم التفتيش كما يظهر قضاة تمسكوا بشيء من العزة لكنهم يتعرضون للإهانة من أشداق مجرمة بذيئة.
هذه الأشداق والأشكال هي الآن وجه دولة حزب العدالة والتنمية . غير أن من يدير هذه اللعبة الفضيعة سيدرك قريبا أخطاء حساباته القاتلة. فهذا الإنقلاب السياسي الأردوغاني كان له الفضل في جر التيوقراطي للخطأ.
حين أرى أن المتمردين لم يتم تحييدهم واعتقالهم عن طريق رفاقهم في الجيش كما يتوجب الأمر، حين نرى الأوغاد الملتحين يدوسون البدلات العسكرية لجنود شبان جردوا من ثيابهم واعْتُدِيَ عليهم بصفة فاحشة، هذا الفعل المشين والخطير الذي يستمتع به كثيرا السيد البحيري سيبقى طويلا في ذاكرة العسكر، بما فيهم من لم يساند المحاولة الإنقلابية، كإهانة لا تمحى ولا تغتفر، والأيام بيننا.

تعاطفي، أحب السيد البحيري والرئيس المؤقت السابق أم كرها، يتجه نحو الأكراد المضطهدين والكماليين ضمانة الحداثة، ولجميع الواقفين في وجه التوسع العثماني الجديد. والموصل عراقية وستبقى عراقية وحلب سورية وستبقى سورية.

عبد العزيز قاسم
ترجمة أحمد العامري
21- 07- 2016




النص الأصلي


 
عبد العزيز قاسم هو أستاذ مبرز تونسي بالجامعة ولد ببنان بالساحل سنة 1933 وشغل مناصب عليا في مجالات التعليم والثقافة والاتصال. وهو شاعر وناقد باللغتين العربية والفرنسية, وقد ترجم العديد من القصائد العربية إلى الفرنسية كما شارك ببحوث في كثير من الندوات والملتقيات الشعرية العالمية , ونشر العديد من دراساته في نقد الشعر في المجلات التونسية والأجنبية.
 دواوينه الشعرية : حصاد الشمس 1975 - نوبة حب في عصر الكراهية 1991, إلى جانب ديوان شعر باللغة الفرنسية.
أعماله الإبداعية الأخرى : شارك في كتابة رواية باللغة الفرنسية صدرت عام 1985.

حاصل على جائزة ابن زيدون للشعر 1986, وعلى الريشة الذهبية للشعر 1991 وترجمت له قصائد إلى اليوغسلافية والبولونية.
 

Aucun commentaire:

Quand les médias crachent sur Aaron Bushnell (Par Olivier Mukuna)

Visant à médiatiser son refus d'être « complice d'un génocide » et son soutien à une « Palestine libre », l'immolation d'Aar...