والحهل بالتاريخ ليس أقل خطرا على واقعنا من الإستلاب الحظاري بل هو جزء من هذا الإستلاب لأن "المتغربين المنبتين المقتلعين من جذورهم" ليسوا فقط ضمن "الفئة الضالة" المتمردة على القيم الدينية ولكنهم موجودون أيضا في الشق الآخر. وقد لا نراهم بنفس الوضوح لأننا آنيون أو ننظر للمستقبل وفق تصوراتنا ونتناسى الماضي أو لا نعرف من التاريخ إلا الذي شربناه على مقاعد الدراسة أو في خطب الجمعة. وبالتالي يسهل علينا التنكر لرموز نضالية حية بيننا كسهام بن سدرين وراضية النصراوي وغيرهما واتهام هذه الرموز بالزيغ والتصهين والإغتراب فيما لا ننسى قول الشيخ والفقيه والسلف الصالح (الذي استثنينا منه جداتنا) وهم بـرددون وصية علي بن طالب بخصوص "ناقصة العقل والدين".
"أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن ناقصات عقل ودين/ أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج" والذين يعتمدون في معاملتهم للمرأة على مبدا وصاية السلف الصالح بحقها ، أخي نورالدين، ألا تعتقد أنهم ليسوا أقل حاجة من "المتغربين المنبتين المقتلعين من جذورهم" لمراجعة تصوراتهم الخاطئة بخصوص المرأة؟ لأنك لو سألت أهل الذكر منهم أو السواد الأعضم من هؤلاء: ما رأيكم في توكل كرمان؟ لقالوا لك معوجة ومن ضلع أعوج ولو نالت جائزة نوبل للسلام عشر مرات. محجبة أو وغير محجبة، لن تستقيم بجائزة إحدى أبرز دلالتها في المنظور الضيق لهؤلاء: أنها من رضى اليهود والنصارى.
نقطة ثانية لا بأس من الوقوف عندها أيضا، أخي الكريم، مثلما أشرت في بداية التعليق، حتى نعيد توكل كرمان لسياقها اليمني الدقيق ولا نسلخ الحجاب من بعدين أساسيين لإتمام الصورة: ثقافيا وتقليديا "الحجاب" اليمني المتداول منذ القديم هو النقاب أو البرقع وهو السائد لساعتنا هذه كما نراه يوميا منذ أشهر على الفضائيات في ساحات الثورة اليمنية. وحتى في الجنوب وأيام الإشتراكية لم تشذ اليمنيات على هذه القاعدة .أما الحجاب فيكاد يكون بدعة في التقليد اليمني، والمحجبات، وهذا ما نعاينه أيضا من خلال ما يردنا من صور المظاهرات والإعتصامات، يكدن يعددن على أصابع اليد، بل أجزم أنهن أقل من هذه الأصابع وفق الصورة التي تنقلها لنا الجزيرة وأنت من العاملين فيها و تستطيع التثبت من هذه الحقيقة. وبالتالي لا يمكننا تجريد الحجاب هنا من بعد تقدمي بل ثوري أكيد في السياق اليمني بالذات. وتوكل كرمان التي "خرجت" عن صف المنقبات فرضت صورتها إعلاميا ليس فقط لأنها مناضلة سياسية تنادي بإسقاط النظام بل لأنها تجسد أيضا النضال النسائي بمفهومه التقدمي في ثورة لا تستثني إرثا ثقافيا يشمل هذا المستوى ويتجاوزه لأبعاد أخرى نرى تأثيرها في المحيط الخليجي وليس أقلها برامج تشريك المرأة في الإنتخابات والترشح للمسؤوليات في سعودية الغد أو غيرها على سبيل المثال. ومن ثمة حين نقف عند "رد الإعتبار للحجاب" ونحجب النقاب من الصورة نكون قد حملنا الحجاب هنا ما لا يقبل استيعابه، إلا إذا أردنا توضيفا عقائديا يخدم الإنشاء ولا يقر بالسياق المذكور. إذ لو كانت هذه المرأة من تونس أو مصر لجاز لنا القول أن الجائزة تمثل فعلا رد اعتبار للمحجبات. أما ونحن في اليمن، فإن توكل كرمان تفرض أولا الصورة التي يراها اليمني ولا يراها التونسي: وأعني بها سيدة سافرة الوجه وليست إحدى محجباته(أو منقباته) ولو عملنا بمبدإ القياس والنسبية لقلنا أن المحافظين في اليمن لا ينظرون لتوكل كرمان بنفس العين التي تبدو من خلالها لنا وللمجتمع الدولي بل يعتبرونها إحدى "النعاج الشاردة" وقد تجر وراءها شاردات أخريات من القطيع اعتصم لحد الآن بالساحات دون تبني الحجاب كبديل تقدمي للنقاب.
ومعذرة إن أطلتنورالدين العيدودي- على الفيس بوك بتاريخ 07- 10- 2011 كتب ما يلي:-*
هذا اليوم وهذه الليلة سيشاهد مئات ملايين الناس على شاشات التلفزيون في كل مكان في العالم، سيدة عربية مسلمة محجبة، لم يمنعها الحجاب من أن تكون مناضلة فاعلة مؤثرة حالمة بالتغيير وبالأفضل لها ولشعبها وأمتها..
سيرون سيدة، وأستعير عبارة صديقي الجنيدي طالب، لا تحمل قنبلة في جلبابها، ولا تفكر في الإرهاب والتفجير، كما اعتادت التلفزيونات أن تصور العرب والمسلمين قاطبة.. بل سيدة محجبة مناضلة، لم يمنعها الحجاب من النضال، ولا حال بينها وبين الثورة..
إن هذه الجائزة بالغة الرمزية هذه المرة، وفيها إنصاف للعرب والمسلمين جميعا ولثقافتهم ودينهم.. فيها إعادة اعتبار للحجاب.. فيها إقرار بأن الحجاب، بخلاف ما يقول المتغربون المنبتون المقتلعون من جذورهم، في بلادنا، ليس حاجزا يمنع العلم والثقافة والفهم عن رأس المرأة..
هذه الجائزة أكبر إنصاف للعرب والمسلمين، وهي من أجمل ثمار ثورات الكرامة العربية، ومن علامات انتقال العرب والمسلمين من مرحلة التأثر برياح الخارج، إلى مرحلة التأثير في العالم بأسره.
فلم تعد المنطقة العربية والإسلامية منطقة منخفض جوي تتقبل رياح الآخرين تعبث بها، بل أضحت بحمد الله منطقة مرتفع جوي سياسيا تهب منها رياح التأثير على العالم كله. وها نحن صرنا نرى الأمريكان والأوروبيين يقلدون الشباب العربي الثائر، ويتجمعون مثل شباب أمتنا العظيم في الساحات، ويسمون ساحات اعتصامهم في وول ستريت وغيرها ساحة حرية على شاكلة ساحات الحرية في بلاد العرب والمسلمين
.