الدكتورأحمد المناعي غني عن التعريف لمن عاش أو عاصر سنوات الجمر في تونس. لكن اذا توجب تقديمه بعجالة لمن لا صلة له بهذه المرحلة من تاريخ تونس،فيكفي القول أنه أول معارض رسمي لزين الدبن بن علي حين كانت الدكتاتورية في اوجها، أي تحديدا منذ بداية الاستبداد سنتين بعد وصول بن علي للحكم لغاية خلعه في أول ثورات ما سمي بالربيع العربي. خاض انتخابات افريل 1989 وضرب أحد أكبر السواكن في تلك الفترة. كان أول
من تعرض للإضطهاد السياسي جراء ضربه لهذا الساكن إذ سجن وعذب واضطر لمغادرة البلاد والعيش
بالمنفى هو وعائلته. وقد لاحقته ماكنة ارهاب الدولة في منفاه لتحاول
تصفيته إن جسديا أو صوتيا وذلك في مناسبتين على الأقل الأولى بتاريخ 29
فيفري 1969 والثانية بتاريخ 14 مارس 1997. والدكتور المناعي هو أول
من نادى بمعية منذر صفر في جانفي 1993 باستقالة بن علي وأسس لهذا الغرض
لجنة لنشر الحملة وهو أول من فضح التعذيب الذي يمارسه زبانية بن علي وشهر
به في كتاب مدو أصدره سنة 1994 " التعذيب التونسي في الحديقة السرية
للجنرال بن علي" ..وفوق هذا كله ورغم مؤهلاته العلمية، وليس أقلها دكتوراه
في الاستراتيجيا الاقتصادية، والمناصب التي شغلها صلب منظمة الأمم المتحدة
والبنك العالمي والإحترام الذي يكنه له التونسيون ومكانته في المجتمع الأممي نأى بنفسه عن
المطامع السياسية التي تدفع بغيره من المتكالبين على السلطة والغنائم لبيع
ذممهم دونما حياء. وحتى وإن كان هذا التقديم برقيا لا يجوز أن نغفل عن دور هذا الحقوقي البارز في كشف الحقيقة بخصوص المسألة السورية حين شغل خطة عضو بلجنة الجامعة العربية للتحقيق في أحداث سوريا وكشف قذارة الحرب التي تشن باسم تحرير سوريا على آخر معاقل القومية والتصدي للتطبيع.
بخصوص الشهادة التي ننشرها في هذا الفضاء نود أن نقول كلمتين لا أكثر: قلما وجد المنصف المرزوقي مساندا وصديقا في حجم الدكتور أحمد المناعي لما كان هذا وذاك في خندق واحد. ولكن كما يقول الشاعر: إن أكرمت الكريم ملكته ..والقارئ سيكتشف بنفسه ما يصور عجز البيت في سلوك اللئيم مع الكريم.
كل الشكر للصديق المناعي الذي خصني بسبق النشر لهذه الشهادة التي ستنشر يوم الجمعة 14 نوفمبر بجريدة أخبار الجمهورية.
بخصوص الشهادة التي ننشرها في هذا الفضاء نود أن نقول كلمتين لا أكثر: قلما وجد المنصف المرزوقي مساندا وصديقا في حجم الدكتور أحمد المناعي لما كان هذا وذاك في خندق واحد. ولكن كما يقول الشاعر: إن أكرمت الكريم ملكته ..والقارئ سيكتشف بنفسه ما يصور عجز البيت في سلوك اللئيم مع الكريم.
كل الشكر للصديق المناعي الذي خصني بسبق النشر لهذه الشهادة التي ستنشر يوم الجمعة 14 نوفمبر بجريدة أخبار الجمهورية.
في شهر أكتوبر من سنة 1981، زارني في بيتي في الوردانين الصديق د. عبد الحميد هاشم الذي عين وقتها رئيس قسم جراحة العظام بكلية الطب بالمنستير. كنت وقتها منشغلا بسجناء "حركة الاتجاه الإسلامي" وناشطا في الدفاع عنهم مع كل من د. حمادي فرحات وعلي الأرناؤوط والطيب قاسم رحمهم الله. سألت عبد الحميد إن كان يعرف من بين زملائه شخصا يساعدنا فيما كنا فيه من مشاغل فنصحني بالدكتور المنصف المرزوقي ونصحني بالاتصال به من طرفه وكان الأمر كذلك والتقيت به على شاطئ بوجعفر سوسة. جلسنا لأكثر من ساعة أشرح له قضية الموقوفين ومشاكل عائلاتهم والرجل غارق في تأملاته، متوجها إلى البحر لا يكاد يشعر بوجودي، ثم فجأة وما إن ذكرت له أني مسافر إلى المغرب حيث كنت أعمل مع البنك الدولي التفت الي وذكر لي أن والده يعيش في المغرب وطلب مني إن كنت مستعدا لأزوره في مراكش وأنقل له رسالة. و كان الأمر كذلك. على مدى عقد الثمانينات لم نلتق مع بعضنا كثيرا. كان ذلك مرتين أو ثلاث على الأقصى، لم تترك لي انطباعا طيبا، فالرجل متعال فظ الطبع لا يعرف وجهه الابتسامة. وفي أفريل من سنة 1991، وقع إيقافي في وزارة الداخلية و بقيت عائلتي لأيام تجهل مصيري. فاتصلت به زوجتي مليكة بصفته رئيس رابطة حقوق الإنسان وكصديق قديم، وطلبت منه فقط أن يستخبر ان كنت حيا أو ميتا.و كان رده أن المئات بل الآلاف هم في وضعي وأنه لا يستطيع عمل أي شيء. بعد خروجي من تونس أواخر شهر ماي، التقيت به في باريس يوم 15 جوان 1991 في ندوة انتظمت في اليونسكو وكان من المفروض أن يلقي فيها كلمة غير انه تراجع عن ذلك ورفض حتى أن يحدثني والتقينا بعد ذلك المرات العديدة ; في ندوة نظمها مركز دراسات ومبادرات التضامن الدولي (CEDETIM) .وأخرى نظمتها شخصيا له بعد إعلانه عن ترشحه للانتخابات الرئاسية لسنة 1994 وكانت فرصة أعلنت فيها عن تنازلي عن ترشحي لفائدته، فقد كنت أعلنت عن ذلك في شهر أوت 1993. وقع إيقافه بعد رجوعه مباشرة إلى تونس، وأعتقد أني أديت واجب المساندة له والتعريف بقضيته، أنا و المرحوم علي السعيدي والمنذر صفر، فقد أسسنا لجنة لمساندته و شهرنا بقمعه وقمع كل الأطراف الحرة وحركنا كثيرا بين المنضمات الحقوقية لأجل مساندته وكثيرا من الصحافيين لأجل التعريف بقضيته. كان المرحوم علي السعيدي بالخصوص يصدر بيانا كلما بلغه أن أحدا ضايق المرزوقي في السوق أو آخر غمزه ... أو حتى ناموسة قرصته. على مدى عقد التسعينات كنت أهاتف للمرزوقي مرة في الأسبوع على الأقل فقد كنت أعرف العزلة القاتلة التي يعيشها، وعندما يكون هاتفه معطلا اتصل بأخيه مخلص. في المقابل لم يحدث أن اتصل بي يوما وحتى عندما وقع الاعتداء علي في يوم 29 فيفري 1996 و14 مارس 1997، لم يتصل بي حتى للمواساة، وإنما ابلغني ذلك أحد أنصاره الذي أصبح مستشاره فيما بعد، وأبلغني أنه صعب عليه مهاتفتي. لم أآخذه على ذلك وواصلت مهاتفته و لقاءه كلما جاء إلى باريس وحضر حفل زواج ابني باديس سنة 1999، وواصلت تقديمه إلى كل معارفي من عرب وأجانب كمرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية. وفي نهاية سنة 2000 بعث لي بمخطوط كتاب وطلب مني أن أجد له ناشرا و سعيت إلى ذلك طيلة سنة دون جدوى. يوم 03 جانفي سنة 2001 اتصلت به هاتفيا لأطلعه على ما كان يحدث في تونس انذاك خاصة من احتجاجات طلابية لم يكن يعرف عنها شيء، يومها قال لي شيئا غريبا قال إنه أسعد يوم في حياته فقد اتصل به أحد طلبته القدامى وعبر له عن مساندته في الإجراء التعسفي الذي اتخذته الحكومة ضده . أكثر من ربع قرن من التعليم في كلية الطب ومئات الاطباء الذين تخرجوا على يديه وواحد منهم فقط يعبر له عن تضامنه. كاتبته كثيرا لأجل نصحه خاصة ليتخلى عما كان ينادي به من تغيير للعلم الوطني وتحويل العاصمة من تونس إلى القيروان وغيرهما من الترهات التي أرسى عليها برنامجه السياسي. وعندما جاء إلى باريس أواخر سنة 2001 كنت في انتظاره في المطار عل الرغم من أني كنت حديث عهد بعملية جراحية على القلب. إني أستحي أن أقول ما فعلت معه وبما خدمته لأنني أعتبر أن كل ذلك هو من أجل قضيتنا المشتركة.
بعد ثلاثة أشهر من قدومه إلى باريس طار المنصف المرزوقي إلى واشنطن لكنه رجع منها خائبا فالأمريكان مازالوا وقتها راضين عن بن علي وهم على أية حال لا يراهنون عليه. ففي سنة 2003 انتظمت ندوة في إكس آن بروفنس (Aix-en-Provence) وضمت مكونات كثيرة للمعارضة التونسية وكانت الندوة برعاية منظمة مسيحية على غرار ما حدث مع المعارضة الجزائرية في سنة 1995 في روما ولكن الراعي الخفي كانت المخابرات الفرنسية التي أخذت بيدها أمر إعادة هيكلة المعارضة التونسية وكانت تهدف أولا إلى إخراج حركة النهضة من عزلتها وإدماجها مع باقي الفصائل وثانيا تنصيب المرزوقي على رأسها. استمرت الندوة ثلاثة أيام من نقاشات وحوارات ومناورات انتهت بصياغة بيان ختامي غير أن بن جعفر رفض التوقيع عليه فقد كان هو الآخر يطمح إلى الرئاسة إضافة الى أنه كان خائفا من ردة فعل النظام عند رجوعه. في سنة 2008 و قع المرزوقي على رسالة إلى أوباما صاغها رضوان المصمودي لمطالبته بالتدخل في العالم العربي لإحلال الديمقراطية. كانت هذه المناشدة بداية التحضيرات لما سيسمى بالربيع العربي فيما بعد وهي أيضا السنة التي فتحت فيها قناة الجزيرة أبوابها لتوظيف الحابل والنابل من أتباع النهضة. كنت آنذاك قد قطعت كل اتصال بالمرزوقي منذ سنة 2003 لتصرفاته الرعناء و سلاطة لسانه وأنانيته ونرجسيته المفرطة. ومن عشرات المواقف المستهجنة أذكر اثنين فقط . أولهما الآتي فبعد استقبالي له في المطار اتفقنا على لقاء أقدم له فيه صديقة جزائرية أستاذة اقتصاد في جامعة باريسية وناشطة في جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية. وصل المرزوقي في الموعد وسلمت عليه ودعوته للجلوس إلا أنه ظل واقفا ووضع يديه على الطاولة وقال لي هيا لتأتي معي. فقلت له إلى أين ونحن على موعد مع السيدة – وكانت جالسة على طاولة محاذية - فقال لي لتأتي معي إلى حزب المؤتمر. فاستشطت غضبا وقلت له حتى لو جئت تراود بائعة هوى وجب أن تعاملها باحترام. وقفل راجعا وأنا أذكره بموعدنا مع السيدة. أما الحادثة الثانية فقد وقعت في ندوة انتظمت بداية سنة 2003 بضواحي باريس. فبعد فترة الأعمال الصباحية تحول الحاضرون إلى المطعم و كنت أحمل طبقي وابحث عن كرسي شاغر فرأيت واحدا مقابل المنصف المرزوقي فقصدته كارها فسلمت و جلست و بدأنا الحديث عن الأوضاع في تونس وفي لحظة ما وصل الحديث عن الأمن ، كان يزبد ويرعد عن البوليس السياسي والأمن فقلت له بكل لطف سي المنصف الامن ضروري في كل مجتمع وتحت أي نظام فقام من كرسيه غاضبا وأخذ طبقه وتحول إلى طاولة أخرى قائلا لي بغضب "أنت تحب الأمن اقعد فيها أنت وأمنك" . ولعل البعض يذكر كيف أنه في 1 جانفي 2012 قدم تهانيه كرئيس دولة إلى كل الأسلاك المدنية والعسكرية و استثنى منها الأمن وتدارك أمره في اليوم التالي بعد موجة الاحتجاجات. وبعد لقد حاولت على مدى سنوات استدراج المنصف المرزوقي للحوار الجدي حول البديل الذي يتصوره وتنبيهه إلى خطورة التفكير والسعي لإسقاط النظام وإحداث فراغ دستوري في غياب بديل جاهز وقادر على تحمل مسؤوليات الدولة ولكنه ظل وفيا لمزاجه المشاغب وطبعه الثورجي وهو دور أتقن لعبه. تعودت ألا أحفظ عمن عرفته وحتى من أساؤوا إلي منهم إلا أفضل ما فيهم ولكنني عجزت أن أجد شيئا من ذلك عنده. فما وجدت عنده إلا الجحود والأنانية والصلف و سلاطة اللسان والكذب. ومن كذبه ما ألفه هو وأزلامه في شخصي و في شخص ابني في كتابه الأسود مدعيا أنها من أرشيف وكالة الإعلام الخارجي ومن شاء أن يطلع على المستوى الأخلاقي المنحط لما ذكره فيه فليرجع إلى الكتاب الأسود صفحة 303 و 304. أهدي هذه الورقة إلى بعض رفاقه في حزبه من اللذين أصبحوا وزراء ومستشارين في دولته والذين كانوا يأتونني متذمرين من رئيسهم ومعاملته السيئة لهم ودكتاتوريته مما أدى إلى بقاء أربعة من المؤسسين فقط سنة2011 من جملة 31 عند تأسيس الحزب في سنة 2001.
أحمد المناعي
8- 11- 2014
ترجمة فرنسية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire